تواصل مصر سياستها التي انتهجتها منذ العام 2018، بطرح شركاتها الحكومية بالبورصة المحلية وأمام المستثمرين الخليجيين والأجانب، في ظل حالة من الصراع السعودي الإماراتي على تلك الأصول، مع ظهور قطر كمنافس جديد للصناديق السيادية في كلتا الدولتين.
والاثنين، أعلن موقع “الشرق مع بلومبيرغ” الاقتصادي أسماء 20 شركة تعتزم الحكومة المصرية طرح حصص تتراوح بين 5 و20 بالمئة من أسهمها المملوكة لها، عبر إدراج أسهمها ببورصة القاهرة، أو البيع لمستثمر استراتيجي، لتوفير عملة صعبة للبلاد.
ولفت الموقع إلى أن نصف الشركات الـ20 المقرر طرحها ينتمي لقطاع البترول والطاقة، كاشفا عن أن عملية الطرح ستبدأ الشهر المقبل، وتنتهي في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
من الشركات المطروحة، والتي لاقى طرحها غضبا مصريا، شركات البترول، والأسمدة، والشحن والتفريغ، مثل “إنبي”، و”أبوقير”، و”بورسعيد لتداول الحاويات”، و”دمياط”، و”مصر للألومنيوم”، وبنوك “القاهرة”، و”الإسكان والتعمير”، و”الإسكندرية”، “ومصر لتأمينات الحياة”، وشركات “مصر الجديدة للإنشاء والتعمير”، و”مدينة نصر للإسكان والتعمير”.
المثير أنه قبل أيام قام صندوق مصر السيادي بضم 5 شركات للصندوق المستحدث باسم “صندوق ما قبل الطروحات”، وهي: “وطنية”، “صافي” المملوكتين للجيش، و”مصر لتأمينات الحياة”، وشركة البترول “إيلاب”، و”بنك القاهرة”.
“أجواء الطروحات”
لكن الإعلان عن ذلك الطرح يتزامن مع أزمة التصريحات المتبادلة بين مقربين من السلطات السعودية، والحكومة المصرية، والتي غلبت عليها سمة التلاسن ومعايرة كل طرف بفضل الآخر عليه.
سبع تغريدات عبر موقع “تويتر”، يوم 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، للكاتب والأكاديمي السعودي السابق تركي الحمد، كانت الأكثر مباشرة في النقد لنظام الحكم وللجيش المصري.
وهو ما تبعه مقال شديد اللهجة يحمل إهانات للسعودية، من رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية عبدالرازق توفيق، والذي وصف دول الخليج في مقاله بـ”الحفاة العراة اللئام محدثي النعمة”، فيما تم حذفه لاحقا.
وهي الحملة المتواصلة عبر مواقع التواصل العربية منذ أيام، ودخلت على خطها أخيرا الإمارات عبر تغريدة للأكاديمي المقرب من سلطات أبوظبي عبدالخالق عبدالله.
حديث عبدالله، بشر بانتهاء حلف السعودية مع مصر والإمارات والبحرين وظهور حلف تقوده الإمارات مع مصر، ما يكشف عن تنافس سعودي إماراتي.
كما أن ذلك الطرح يأتي في ظل ما يثار عن تراجع سعودي بشأن الدعم المالي لمصر في أزمتها المالية، وإصرار الرياض على الحصول على شركات مصرية بعينها، والغضب من إيثار الإمارات بالأصول المصرية.
ويتوالى حديث مراقبين وتقارير صحفية، عن رفض الرياض دعوات صندوق النقد الدولي الأخيرة التي أطلقها في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري لمساعدة مصر، بتغطية فجوة التمويل الخارجي، وهو ما كشف عنه غياب قادة السعودية والكويت عن مؤتمر عقد في أبوظبي، 18 كانون الثاني/ يناير الجاري، لهذا الهدف.
لكن، وفي ظل الطرح المصري لـ20 شركة دفعة واحدة، والتنافس السعودي الإماراتي اللافت على الأصول المصرية، يثار التساؤل.. كيف يكشف ما يجري من خلاف سعودي مصري وظهور إماراتي فيه، عن حجم الصراع على الأصول المصرية؟
“لهذا يتنافسون”
وفي إجابته على سؤال “عربي21″، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق إبراهيم نوار، إن “التنافس الخليجي على ملكية أصول استثمارية مصرية مسألة طبيعية جدا”.
نوار، أوضح أن “هذه الدول تفتقر إلى عنصرين تمتلكهما مصر؛ الأول: حجم السوق، ففي مصر سوقا بها أكثر من 110 ملايين شخص، تشمل السكان والسائحين”.
“والثاني: تنوع الاقتصاد، وهو نتاج تاريخي لتنوع الموارد والحضارة”، ملمحا إلى أن أي “مستثمر أجنبي يسره كثيرا أن يكون له مركزا في مصر”.
وبشأن ما يثار عن صراع الرياض وأبوظبي على أصول القاهرة، قال الخبير المصري: “نصيحتي ألا نبالغ كثيرا في الميل لهذا ولذاك؛ وإنما علينا أن نميل لمصالحنا، وألا ندخل في منازعات لا معنى لها”.
وأكد أن “هذا يتطلب من مصر أن تكون لها سياسة واضحة وشفافة، وأن تكف الحكومة عن عقد صفقات تحت الترابيزة، فذلك يمكن أن يكلف مصر تكلفة غالية”.
وختم بالتأكيد على أن “التنافس السعودي الإماراتي حول العالم، بما في ذلك العالم العربي، لن يتوقف”.
وكان نوار، قد كتب عبر صفحته بـ”فيسبوك”، أنه “يوم حزين في تاريخ مصر، بأوامر صندوق الدين”، مشيرا لما أسماه بـ”عروض لبيع الشركات بالجملة في قطاعات الطاقة والكيماويات والأسمدة والتمويل والإسكان”.
وأضاف: “ما يزيد من حدة الحزن أن إيرادات بيع الأصول الاستثمارية ستذهب لسداد فوائد الديون”، معربا عن غضبه بالقول: “ياحسرة”.
ولفت إلى أن نصف عدد الشركات المطروحة تعمل في قطاع الطاقة، وذات جاذبية استثمارية عالية جدا، ويشارك رأس المال الأجنبي والخليجي بملكية الكثير منها، مثل بنك الإسكندرية المملوك بنسبة 80 بالمئة لمجموعة “سان باولو” الإيطالية، وشركات “أبوقير للأسمدة”، و”أموك”، و”إي فاينانس” بجانب طرح شركتي الجيش “صافي” و”وطنية”.
وهنا يثار التساؤل: “هل يعني هذا التنافس بين السعودية والإمارات إن وجد أن الأصول المصرية المطروحة سيجري تقييمها بأفضل قيم لها؟”.
“تقييم الحضيض”
وفي رده، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي الأمريكي محمود وهبة، لـ”عربي21″، إن أسعار تلك الأصول ستقيم على أسعار البورصة المصرية”، مشيرا إلى أن “البورصة المحلية الآن في الحضيض”، موضحا أن “هذه الطريقة ليست قاعدة عامة لتقييم الشركات”.
وأكد أن خسائر مصر الاستراتيجية والمستقبلية من هذا التوجه كبيرة، خاصة وأن الطروحات تطال شركات رابحة وفي قطاعات هامة مثل البترول والطاقة والبنوك.
وأشار إلى أن استمرار الحكومة في هذه العمليات من الطروحات، لن تحل الأزمة المصرية يرى أنه “لا يوجد حل اقتصادي لها”.
“دور الصندوق والبنك”
وفي تعليقه قال الناشط السياسي ممدوح حمزة، لـ”عربي21″، إن الأمر “لا يتوقف على السعودية ولا الإمارات”، موضحا أن “رأس الأمر هنا هما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”، مؤكدا أن “الذي حدد أسماء تلك الشركات لطرحها هو البنك الدولي وصندوقه، أيضا”.
وأكد أن “هذا الوضع يعني عدم توقف النظام عن طرح ما تبقى من أصول مصر، وهو ما يعني حدوث كوارث اقتصادية مستقبلية”، مبينا أن “هذا كان الهدف من تعظيم وتسهيل صندوق النقد والبنك الدولي الاقتراض لمصر”.
القائمة المحتملة
ووفق موقع “الشرق مع بلومبيرغ”، فإن القائمة المحتملة للطروحات تشمل شركات البترول مثل “إنبي” (تأسست عام 1978)، والشرق الأوسط لتكرير النفط “ميدور”، أكبر معمل لتكرير النفط بمصر بمساحة 500 فدان غرب الإسكندرية، و”أسيوط لتكرير البترول” (تأسست عام 1984).
و”الحفر المصرية” (تأسست عام 1976)، والمصرية لإنتاج الميثانول “إيميثانكس” (تأسست عام 1997)، والمصرية لإنتاج الألكيل بنزين “إيلاب” (تأسست عام 2003)، على مساحة 242 ألف متر مربع بالإسكندرية.
ومن شركات الأسمدة والمواد الكيماوية شركات الإسكندرية للزيوت المعدنية “أموك”، و”سيدي كرير للبتروكيماويات” (تأسست عام 1997)، والمصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته “إيثيدكو”، و”أبوقير” للأسمدة (تأسست عام 1976)، والوادي للصناعات الفوسفاتية والأسمدة “وافكو”.
وبنوك “التعمير والإسكان”، (تأسس عام 1979)، و”الإسكندرية” (تأسس عام 1957)، و”القاهرة” ثالث أكبر بنك حكومي في البلاد.
وشركة “إي فاينانس” للاستثمارات المالية والرقمية، و”مصر لتأمينات الحياة (تأسست عام 1900) وتمتلك نحو 32 بالمئة من سوق التأمين بمصر.
وشركات النقل البحري، “بورسعيد لتداول الحاويات”، و”دمياط لتداول الحاويات” (تأسست عام 1986)، إلى جانب صرح صناعة الألومنيوم بالصعيد “مصر للألومنيوم”، (تأسست عام 1976).
وشركات الإسكان والتسويق العقاري العملاقة، “مصر الجديدة للإسكان والتعمير”، التي تمتلك محفظة من الأراضي تبلغ 29.5 مليون متر مربع، و”مدينة نصر للإسكان والتعمير”، التي تمتلك نحو 9.5 مليون متر مربع.