انتهت قمة المناخ برئاسة مصر، في شرم الشيخ، بعد مفاوضات بدأت بوتير بطيئة ثم احتدمت خلال الأيام الأخيرة، لتُمد قمة مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيّر المناخ «كوب 27» أكثر من 39 ساعة عن موعد الختام الرسمي، 18 نوفمبر الماضي. وبعد توقعات بفشلها تمامًا، خرجت مصر معلنة نجاحها باتفاق دول العالم على إنشاء صندوق للتعويضات والخسائر بعد تأخر إنشائه قرابة 30 عامًا.
بين الانتصار السياسي لدول الجنوب الأكثر تضررًا من تغيّرات المناخ بإنشاء صندوق يقدم تعويضات للكوارث البيئية لتلك البلاد، وفشل الاتفاق على تحجيم سبب الكوارث البيئية من الأساس، كيف أدارت الرئاسة المصرية المفاوضات؟ وهل يمكن وصف هذه القمة بالنجاح؟
إذا كنت تجلس في مقصورة الدول الصناعية الكُبرى، مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فسترى أن القمة فشلت في الخروج بأي مخرجات حقيقية في سبيل إنقاذ الكوكب من الفناء. أما إذا كنت تجلس في مقصورة دول الجنوب النامية، فسترى رايات النصر تحتفي بتحقيق العدالة المناخية المتأخرة، رغم عدم إحرازها تقدمًا فيما يتعلق بتعهدات التخلص من الوقود الأحفوري وتخفيف آثار التغيّر المناخي المتسارعة، لتترك ذلك لقمم تالية تقرره.
جاءت قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ المصرية في ظروف عالمية صعبة، أزمات غذاء وطاقة، وارتفاع كبير في الديون بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فضلًا عن ظروف محلية معقدة، ما بين انعكاس هذه الأزمات على الداخل، ومواجهة الحكومة المصرية لانتقادات متزايدة حول أوضاع حقوق الإنسان أثناء الـ «كوب 27»
لكن تلك لم تكن البداية الحقيقية للمفاوضات. فقبل وصولنا هذه النقطة، ومنذ إعلان استضافة شرم الشيخ لقمة المناخ نهاية العام الماضي، تضافرت الجهود الحكومية للاستعداد لها، زار رئيس القمة ووزير الخارجية، سامح شكري، دولًا متعددة لمناقشة توقعاتها للقمة والتعرف على المطالبات التي ينوون تقديمها.
خلال ذلك الوقت، سعت الرئاسة المصرية للقمة إلى تأكيد الهدف الرئيسى لهذه القمة وهو التنفيذ. فمنذ القرن الماضي، وعلى مدار نحو ثلاثة عقود، تسارعت آثار تغيّرات المناخ على العالم بأسره، بينما لم تقدم الجهود الدبلوماسية سوى الوعود والتعهدات، والنزر اليسير من التنفيذ على أرض الواقع.
أعلنت الرئاسة المصرية خطتها والتي شملت عقد ست موائد مستديرة رفيعة المستوى حول مواضيع تتعلق بالتحديات العالمية الحالية. وفي سبيل دفع دفة النقاش نحو مواضيع محددة؛ قسمت الرئاسة المصرية القمة إلى 11 يومًا تحت اسم «أيام موضوعية» أولها «يوم التمويل» وآخرها «يوم الحلول»
قبل ساعات من بدء فعاليات القمة، أعلن شكري جدول الأعمال المتوقع مناقشته، واحتفى خلال كلمته وقتها بنجاح مصر بإدراج تمويل الخسائر والأضرار كأحد النقاط الأساسية التي ستُناقش.
على الجانب الآخر، غاب عن جدول الأعمال الرسمي قضايا بيئية هامة، حاول الاتحاد الأوروبي مثلًا الدفع بها مثل كيفية الحفاظ على عدم ارتفاع درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية، وكيفية مواءمة التدفقات المالية العالمية مع الأهداف المناخية.
هذا التباين برره السفير محمد نصر، كبير مفاوضي مصر في قمة المناخ، الإثنين الماضي بندوة مفتوحة في الجامعة الأمريكية في القاهرة٬ بأن خفض الانبعاثات هو أساس التعامل مع تغيّرات المناخ، وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الأضرار التي تعرضت لها الدول بالفعل، وما يتطلبه ذلك من تعويضات أو توفير إمكانيات فنية للتعامل مع هذه الأضرار.
منذ البداية، كانت المهمة المصرية صعبة. فريق الرئاسة المصرية، بقيادة نصر، كان أقل عددًا بشكل ملحوظ مقارنة مع أغلب الدول المشاركة، بل رؤساء القمم السابقة. «الرئاسة المصرية [كعدد مفاوضين] لم تتجاوز عُشر عدد مفاوضي الرئاسة البريطانية لكوب 26 العام الماضي في جلاسجو» قال مراقب مطلع على المفاوضات، اشترط عدم ذكر اسمه.
بخلاف ذلك قال مراقب آخر لـ«مدى مصر» إن الفريق المصري ضم الكثير من الشباب قليلي الخبرة، بحسب تعبيره، وهو ما انعكس على عدم نجاح بعض الأجندات الموكلة إليهم؛ «كان فيهم [المفاوضين] شباب يشارك لأول مرة في كوب.. محدش يعرفهم فمعندهمش علاقات يقدروا يستغلوها في الضغط والمفاوضات.»
لكن، وبحسب نصر، فإن تواجد الشباب المصري كان أمرًا إيجابيًا، إذ شملت الخطة المصرية الاعتماد عليهم لبناء قدراتهم وتولي إدارة العملية التفاوضية المصرية مستقبلًا.
على أي حال، انعكس كل ذلك على صعوبة التنسيق بين نحو مائتي وفد تمثل الدول المشاركة في «كوب 27» وهو ما صعّب عملية التفاوض نفسها، وفقًا للمراقبين.
وبالإضافة إلى صعوبة التنسيق بين أعضاء الفريق المصري والوفود المشاركة، انشغل المبعوث الخاص للرئاسة المصرية، السفير وائل أبو المجد، خلال الاجتماع اليومي المخصص لتقديم تحديثات حول مجريات التفاوض والتحديثات المختلفة، بالرد على أسئلة الصحفيين وممثلي الوفود الرسمية تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، فضلًا عن انتقادات واستياء من ارتفاع أسعار الإقامة والطعام والشراب.
كانت ردود أبو المجد دبلوماسية في أغلب الأوقات، ومقتضبة حين تكون الأسئلة مرتبطة بأي مشاكل، بهدف العودة نحو مفاوضات «كوب 27»، بحسب أحد المصادر من المراقبين.
لكن، من ناحية أخرى، ساهمت تلك المشاكل التنظيمية في بداية بطيئة للغاية للقمة وسير المفاوضات. مبعوث المناخ الهولندي، الأمير جيمي ديبربون دي بارمي، قال لـ«مدى مصر» إن المشاركين عانوا من وقوفهم لأوقات طويلة في طوابير للحصول على الطعام بأسعار مبالغ فيها، وهو ما أثر على قدرتهم في الانخراط في المفاوضات خاصة مع ضيق الوقت، مشيرًا إلى حل بعض تلك المشاكل بعد تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتخفيض أسعار المأكولات وتوزيع المياه مجانًا.
لكن، ما لم يحله تدخل الرئيس، وأشار إليه دي بارمي، هو ضوضاء أجهزة التكييف التي جاهدت للحفاظ على درجات حرارة مناسبة في صحراء جنوب سيناء، فلم يسمع المشاركون بعضهم أثناء النقاش، كما تخوف بعض الموجودين من التحدث علانية بسبب انتشار الكاميرات في كل القاعات، بما في ذلك قاعات التفاوض الرسمية، ما وضع «عبئًا نفسيًا» على المفاوضين طوال الوقت بحسب دي بارمي.
المشاكل التنظيمية لم تكن العثرة الوحيدة لإحراز تقدم في المفاوضات طوال مدة القمة.
توماس هيرش، مؤسس شركة استشارات المناخ والتنمية، وهي شركة متخصصة في الاستشارات السياسية ومراقبة المشاريع فيما يتعلق بقضايا المناخ والتنمية وحقوق الإنسان، قال لـ «مدى مصر» إن الأسبوع الأول في قمم المناخ يجري عادة في مسارين متوازيين؛ «من ناحية، هناك المفاوضات التقنية والتي لا تنخرط رئاسة القمة فيها بشكل رئيسي، لكنها فقط تشرف على مجرياتها» بحسب هيرش «ومن ناحية أخرى، تستغل الرئاسة عادة ذلك الوقت في حشد الدعم تجاه الموقف الذي تريد الدفع به، وهو ما لم تفعله مصر هذا العام. حتى حشد الدول للموافقة على إدراج بعض النقاط على أجندة النقاش لا يُعزى للرئاسة المصرية وحدها، وإنما أيضًا لجهود المجتمع المدني، والتأثير الموجود من قِبل الرئاسة السابقة؛ البريطانيين.»
بالإضافة لذلك، قال هيرش إن العديد من المراقبين أجمعوا على أن الرئاسة المصرية خلال الأسبوع الأول على الأقل لم تهتم بسير المفاوضات، وإنما ركزت على بعض الإعلانات الرمزية، على حد وصفه. «صفقة كبيرة في مكان ما، أو مبادرة جديدة في مكان آخر.»
كانت النتيجة، امتداد المفاوضات التقنية الجانبية، وغياب التوافق حول التنفيذ طوال مدة القمة الرسمية. مثلًا، لم يجتمع رؤساء الوفود رسميًا حتى اليوم الخامس وهو عكس ما حدث العام الماضي في جلاسكو باجتماعهم في اليوم الثالث للمؤتمر. هذا التأخير انعكس في تعطيل النسخة المبدئية للنص الختامي.
كانت قدرة مصر على توجيه الأطراف نحو توافق في الآراء في هذا الوقت محل شك، خاصة قرب نهاية المفاوضات وعدم ظهور أي مؤشرات إيجابية لتقدمها، بحسب أربعة مصادر دبلوماسية مختلفة ومراقبين دوليين تحدث معهم «مدى مصر» أثناء القمة.
كما اعتبرت المصادر الدبلوماسية الغربية الطريقة المصرية في التفاوض «غامضة ومربكة» لفرق المفاوضات. وهو ما أكده كبير مفاوضي إحدى الدول الأوروبية لـ«مدى مصر» قائلًا: «لم تقدم رئاسة القمة خطتها للحصول على نتائج، وبدا أن المفاوضات ستستمر للأبد،» مضيفًا أن الطريقة التي انتهجتها مصر لصياغة النص الختامي مختلفة عن طريقة المملكة المتحدة، التي ترأّست قمة المناخ العام الماضي. ووفقًا له، بدأت الرئاسة البريطانية مشاورات حول أولوياتها لـ«كوب 26» قبل أشهر من انعقادها، ما سمح لها بإصدار مسودة في الأسبوع الأول من القمة، ومسودة شبه نهائية في مطلع الأسبوع الثاني للتفاوض عليها خلال الأسبوع الأخير.
من ناحيته٬ قال نصر إن «المفاوضات لم تكن بهذه السهولة. إحنا بنسعى لتحقيق اتفاق بين 196 دولة.»
واجهت مصر أيضًا انتقادات بشأن ما وصفه مصدر دبلوماسي أوروبي آخر، بـ«انحيازها» إلى دول الجنوب العالمي. «كان يجب أن تكون مصر طرفًا محايدًا في المناقشات بصفتها رئيسة القمة، لكنها لم تكن حيادية». ولكن ذلك يختلف مع تصريحات مراقبين وأعضاء وفود دبلوماسية من الجنوب العالمي تحدثوا مع «مدى مصر»، وأشار أحدهم إلى تجاهل الرئاسة المصرية بعض الطلبات التي تصب في صالح الجنوب، لتفيد بذلك اقتصاديات الشمال، خاصة فيما يتعلق بتجاهل الضغط لمواجهة الاحترار العالمي عن طريق التخلص من الوقود الأحفوري، الأمر الذي هدد بفشل القمة، وفقًا للمنسق المحلي لشبكة العمل المناخي الدولية بجنوب إفريقيا، ثاندو لوكوكو الذي أشار إلى إغفال المسودة الأولى دعوة الوفد الهندي للتخلص من الوقود الأحفوري قبل عام 2030، على الرغم من دعم نحو 80 دولة للمقترح، وعلى الرغم من كونها، بحسب أبو المجد، ملخص لأهم ما جاء في طلبات الدول المشاركة في المفاوضات.
«المستفيد الأكبر من الوقود الأحفوري هو الشمال، لأن معظم شركات التنقيب أوروبية، بالفعل بعض دول الجنوب تستفيد من استخراجه، لكن الكل يصب في جيب الشمال» بحسب مراقب مصري.
بحلول نهاية الأسبوع الأول، بدت المفاوضات متعثرة للغاية، حتى ظن بعض المراقبين أن الفشل سيكون بلا شك هو النهاية الحتمية لـ«كوب 27»
وفي محاولة لإنقاذ الموقف، زار رئيس قمة المناخ السابقة، ألوك شارما، ومسؤول المناخ في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانز، ووزير البيئة والمناخ الكندي، ستيفن غيلبو، رئيس «كوب 27»، سامح شكري، للتعبير عن مخاوفهم بشأن التقدم المُحرز في المفاوضات، في زيارة امتدت أكثر من عشر ساعات.
وفي ذات اليوم، عاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مرة أخرى إلى شرم الشيخ ليلتقي شكري، ليصدر عن الأخير بعدها بيانًا، أطلع «مدى مصر» عليه، قال فيه إن الرئاسة المصرية «تحث جميع الأطراف على بذل جهد إضافي للوصول إلى نتائج.»
كان الوضع مُظلمًا في شرم الشيخ المشمسة.
ومع اقتراب موعد الختام الرسمي للأسبوع الثاني والقمة، شكّلت الرئاسة المصرية لجانًا ثنائية لتقريب وجهات النظر حول النقاط الخمس الأساسية التي تُناقش في القمة. ففي مسألة تخفيف أثر تغيّرات المناخ، اختارت لجنة من جنوب إفريقيا والدنمارك، بينما تتولى جزر المالديف وإسبانيا مناقشة التكيّف، وتعمل الهند وأستراليا على التمويل، وسنغافورة والنرويج تبحثان المادة السادسة المتعلقة بأسواق الكربون. وأخيرًا، وتتولى ألمانيا وتشيلي المسألة الأعقد وهي الضرر والخسارة.
كانت المفاوضات الجامدة تتعثر عند مطلبين. دول الجنوب، بما في ذلك مجموعة G77 والصين، وهو تحالف تابع للأمم المتحدة يضم 134 دولة نامية بالإضافة إلى الصين، تضغط لإنشاء صندوق يمول تعويضات الخسائر والأضرار. أما دول الشمال العالمي، فتحاول الضغط من أجل إقرار حد زيادة درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وهو ما وقفت ضده جماعات الضغط التابعة لشركات البترول والغاز الطبيعي، بما فيها شركات الشمال العالمي، ودول الجنوب المنتجة للوقود الأحفوري في تكتل ما يُسمى بـ«الدول النامية متشابهة التفكير» أو Like Minded Developing Countries، اعتمادًا على أهمية الوقود الأحفوري في دفع عجلة التنمية لهذه البلاد.
وبعيدًا عن هذه الجبهات٬ كانت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس دول تقف ضد أغلب المقترحات من جميع الأطراف، بحسب مصادر متعددة حضرت المفاوضات.
لعقود طويلة، طالبت الدول النامية بصندوق يوجه للخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ. وفي غضون ذلك الوقت، طالما اتهمت الدول النامية نظيرتها المتقدمة بعرقلة أي تقدم يُحرز في إنشاء هذا الصندوق الذي يُنظر إليه كصندوق تعويضات.
وخلال قمة مناخ جلاسكو، عارض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة طلب قدمته مجموعة الـ77 والصين بإنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار، لتنتهي قمة العام الماضي دون اتفاق.
لكن هذه المرة، أصرت هذه المجموعة والصين على إنشاء الصندوق هذا العام، والتفاوض على تفاصيله في وقت لاحق.
أما الدول المتقدمة، بما فيها أعضاء الاتحاد الأوروبي، فقالت إن التفاصيل يجب حسمها قبل إنشاء الصندوق. وقال مبعوث المناخ الأمريكي، جون كيري، في نهاية الأسبوع الأول إن بلاده لا تزال على موقفها الرافض لإنشاء صندوق قائم على التعويضات، مضيفًا: «هذا لن يحدث». فقط سارعت بعض دول الشمال في إعلان بعض المساعدات التعويضية للدول المتضررة، مثل تعهد بلجيكا بتوفير مليوني ونصف مليون يورو لموزمبيق، وإعلان النمسا عن تعويض بقيمة 50 مليون يورو، وغيرها.
من وجهة النظر الأوروبية، مقترح مجموعة الـ 77 والصين بإنشاء الصندوق قد يفتح بابًا لمقاضاة دول قارة أوروبا على مسؤوليتها التاريخية في تلويث الكوكب، كما أنه يأتي في وقت تعاني فيه هذه القارة من أزمات اقتصادية تقلص من إمكانية تخصيص تعويضات للدول المتضررة.
وبدلًا من الصندوق، أعلن الاتحاد الأوروبي عما أسماه «مزيج الحلول» والذي شمل توفير تمويلات لتأمين البلدان النامية ضد أخطار تغيّر المناخ، وإعطاء دفعة لتمويل مشاريع تستهدف التغيّر المناخي، ودعم نظم الإنذار المبكر بالطقس المتطرف. وهو ما وصفه نصر بـ«دوامة القروض» المربوطة بالتحول الأخضر.
مراقب مصري قال لـ«مدى مصر» إن هذه التمويلات تُعد أعباءً إضافية على دول الجنوب التي تدفع ثمن تقدم دول الشمال مرتين «مرة في شكل كوارث طبيعية بتخسّرها أرواح وفلوس وتراث، ومرة تانية وهي بتسد القروض لدول الشمال، بعد ما دفعت القرض ليهم برضه علشان تشتري منهم التكنولوجيا.»
لذا، رفضت الدول النامية عرض الاتحاد الأوروبي، وتمسكت بصندوق الخسائر والأضرار.
وزير التغير المناخي في جزر فانواتو، رالف ريجينفانو، قال لـ«مدى مصر» خلال قمة المناخ إن مجموعة الـ77 والصين لن تغادر شرم الشيخ دون صندوق الخسائر والأضرار. «هذا الأمر خط أحمر بالنسبة لنا» مؤكدًا أن بعض دول المجموعة أبدت خلال المناقشات استعدادها رفض أي مفاوضات لا تشمل الصندوق، بما في ذلك المغادرة دون أي اتفاق.
ووجه ريجينفانو أصابع الاتهام نحو دول الشمال العالمي التي ترغب، بحسب رأيه، في عرقلة المفاوضات. «سويسرا، والسويد، وفرنسا، على سبيل المثال، رفضت تمامًا التفاوض.»
«المجموعة [الـ77] والصين لا تساوم العالم على إنجاح القمة في خفض الاحترار العالمي، أو التخلص من الوقود الأحفوري مقابل المال. على العكس، نحن نرغب في الاثنين معًا، ونرى ذلك حقًا أصيلًا لنا كدول مهددة بالفناء نتيجة التنمية السريعة في الدول المتقدمة» موضحًا أنه لو كان جرى العمل على خفض حرارة الكوكب قبل ثلاثة عقود ما كانت دول الجنوب ستُطالب بالتعويضات الآن، لكنها تفعل ذلك لحماية شعوبها وخفض درجة الحرارة لحماية بلادها.
بعد أيام، بدت انفراجة، عندما أعرب الاتحاد الأوروبي عن تغيّر موقفه، وانفتاحه على النظر في تمويل الخسائر والأضرار. عرض ممثلو دول الشمال تمرير الموافقة على صندوق الخسائر والأضرار بشروط، بحسب مراقب، وعلى رأس هذه الشروط التخلص من الوقود الأحفوري، كجزء من استراتيجية التخفيف.
أما الشرط الآخر كان إلزام الدول الغنية نسبيًا، والدول ذات الانبعاثات العالية في المشاركة في التعويضات، في إشارة مباشرة لدولة مثل الصين.
هنا تتعقد الأمور مجددًا.
منذ بدء مفاوضات المناخ في مطلع التسعينيات، صُنف عدد قليل من الدول باسم «الملحق الثاني» أو Annex 2، لتضم الدول الصناعية حينها، بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة. وجميع البلدان، بخلاف الغنية، صُنفت كـ«نامية» في ذلك الوقت، وهو ما يعني أن كل الدول صاحبة التصنيف السابق ستكون مستحقة للتعويضات في حال تأسيس صندوق للخسائر والأضرار، بما في ذلك الصين ودول الخليج العربي، وصولًا إلى دولتين فقيرتين مثل تشاد والكونغو.
تُصر الولايات المتحدة على اعتبار الصين دولة متقدمة لا نامية، نتيجة تضاعف دخلها عدة مرات وزيادة انبعاثاتها منذ ذلك الوقت. وبالتالي يجب أن تدفع بكين نصيبها من التعويضات. لكن الصين تعتبر نفسها «دولة نامية»، ومستوى انبعاثاتها قد زاد بالفعل، لكنه لا يُقارن بالانبعاثات التاريخية من أوروبا وأمريكا على مدار القرن الماضي، بينما قال مبعوثها المناخي شي تشن وا، أثناء المؤتمر، إن بلاده تقدم بالفعل أموالًا مناخية لدول الجنوب العالمي، لكنه أكد أنها ليست ملزمة بذلك.
وفي ظل استمرار تعقد المفاوضات، أتت نقطة غيث من خارج قمة المناخ، وتحديدًا من قمة العشرين، التي قابل خلالها الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الصيني شي جين بينغ واتفقا على استئناف المحادثات بين البلدين حول المناخ بعد جمود. وفي ختام الفعاليات٬ أكد بيان المجموعة الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.
وبعد ذلك بيوم، قدّم الاتحاد الأوروبي وثيقة اطلع «مدى مصر» عليها، تقترح إنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار، وتأجيل تحديد مصادر تمويله للقمة القادمة. يقصر المقترح توزيع تمويلات الصندوق على «البلدان الأكثر ضعفًا» مثل الدول الجزرية الصغيرة النامية فقط، دون الإشارة إلى دول أخرى تعاني بشدة من آثار تغيّر المناخ.
وفي هذا السياق، قال بعض المراقبين لـ«مدى مصر» إن مقترح الاتحاد الأوروبي كان بمثابة محاولة لكسر التحالف بين 134 دولة وبث الخلاف بينها، إثر فصل الاقتصادات الناشئة عن الدول الفقيرة والضعيفة.
كانت الأمور متوترة للغاية في قاعات المؤتمر، وتوقع المراقبون أن الأمور ستسوء مجددًا.
وفي إظهار للتضامن، عقد رؤساء الوفود من مجموعات «الـ 77» والإفريقية و«الدول الجزرية الصغيرة» والرابطة الدولية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي مؤتمرًا صحفيًا موسعًا، قالت فيه وزيرة المناخ الباكستانية شيري رحمان إن هذه الوفود تسعى إلى أرضية مشتركة.
كان المقترح الأوروبي قد حرك المياه الراكدة. وبعد ذلك بساعات، أعلنت الرئاسة المصرية أن هناك مسودة نص ختامي ومستند يقترح إنشاء صندوق تعويضات للخسائر والأضرار، لكن بطرق مختلفة وجداول زمنية متعددة حُددت بثلاثة مقترحات؛ أولها إنشاء صندوق تعويضات في قمة شرم الشيخ، عن طريق مساهمة الدول ذات الانبعاثات التاريخية الأكبر، بالإضافة للبحث عن مصادر تمويل أخرى. المقترح الثاني يؤجل تنفيذ نفس المقترح الأول حتى قمة المناخ القادمة التي ستُعقد في الإمارات العام القادم، وذلك لحين بحث مصادر التمويل. بينما لا يتضمن المقترح الثالث إنشاء أي صندوق للتعويضات، لكنه يقترح «مصادر تمويلية أخرى» خارج اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيّر المناخ.
وفيما دعمت أغلب دول الجنوب المقترح الأول، واجه هذا المقترح معارضة قوية من عدة دول، أهمها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، اللذين كانا يضغطان في سبيل المقترح الثالث، بحسب مراقبين تحدثوا مع «مدى مصر».
وقال، وقتها، وزير البيئة في أنتيجوا وباردبودا، مولوين جوزيف، لـ«مدى مصر» إن «هذه المفاوضات تستغرق وقتًا أطول من المعتاد، ولا أعتقد أننا كجزر صغيرة متضررة من آثار تغيّر المناخ يمكننا الاستمرار في الصبر. نحن في سباق، ليس فقط ضد الوقت، ولكن أيضًا ضد مناخ لا يرحم، يتضرر يومًا تلو الآخر من الملوثين، بينما الدول المتقدمة لا تتسبب في أسوأ آثار لأزمة المناخ فقط، لكنها أيضًا تلعب بالسياسة في المفاوضات.»
استمرت المفاوضات طوال اليومين. وأخيرًا، بعد مد القمة، ظهر حل وسط عن طريق فتح الصندوق أمام جميع البلدان النامية، وترك الباب مفتوحًا أمام مانحين إضافيين، كالشركات الخاصة أو مؤسسات التمويل الدولية، مع الإشارة إلى إمكانية وجود «طائفة واسعة من المصادر.»
بدا أن النسخة المثالية للصندوق على بُعد خطوات، لكن ظل الاتحاد الأوروبي بشكل خاص متمسكًا بإضافة المزيد، خاصة فيما يتعلق بالانبعاثات. وخلال المفاوضات النهائية، هدد الاتحاد بمغادرة الاجتماعات دون أي نتيجة.
وبعدها بساعات، ظهر نص جديد يضيّق نطاق الدول التي قد تتلقى تمويلات، فبدلًا من إقرار صندوق لتمويل الدول «الأكثر ضعفًا» وفق مقترح الاتحاد الأوروبي السابق، حدد النص الجديد الدول التي ستتلقى التعويضات بأنها «المُعرضة للخطر بشكل خاص.»
ورغم عدم حصول الاتحاد الأوروبي على مراده، فيما يتعلق بالوقود الأحفوري، حظى المقترح بموافقة الجميع، وهو ما أرجعه مراقب مطلع على المفاوضات إلى ضغط الرئاسة المصرية على الاتحاد بحجة أن إصرار الأخير على الرفض قد يُفشل القمة، وهو ما سيضع ممثلو «الأوروبي» في موقف محرج أمام مواطنيهم، ويجعلهم في مواجهة نشطاء البيئة كذلك، خاصة أن إعلان تأسيس الصندوق لا يعني تفعيله غدًا كما وصف المصدر.
أما فيما يتعلق ببرامج تخفيف أثر تغيّرات المناخ على العالم، لم تحقق القمة تقدمًا حقيقيًا. كان العائق الأكبر في سبيل ذلك هو الوقود الأحفوري، الذي يعتبر المساهم الأكبر في عملية التغيّر المناخي.
تلزم اتفاقية باريس، الصادرة عن كوب في دورته الـ 21، الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وإن أمكن، قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية، في ظل مخاوف علمية من تداعيات قاسية في التغيّر المناخي على الحياة على كوكب الأرض إذا تجاوزت درجة الحرارة مستوى 1.5 درجة.
بالفعل ارتفعت درجة حرارة الكوكب حوالي 1.1 درجة مئوية، بالمقارنة بما قبل الثورة الصناعية، فيما ارتفعت درجات الحرارة في كل عقد من العقود الأربعة الأخيرة عما كانت عليه في أي عقد منذ عام 1850.
ولعكس ذلك التأثير أو الحول دون استمراره على الأقل، حاول الاتحاد الأوروبي في مفاوضات «كوب 27» تقييد استخدام الوقود الأحفوري مستقبلًا لتقليل الانبعاثات، أو التخلص منها نهائيًا.
وقال مراقبون تحدثوا لـ«مدى مصر» إن دول متعددة عطلت محاولات التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية التي تحدثت نيابة عن المجموعة العربية. ففي الجلسة العامة للقمة، طلبت المملكة من المشاركين معالجة الانبعاثات (في اشارة لتقنيات معالجة الوقود الأحفوري على مستوى الاستهلاك بدلًا من إلغاء استخدامه.)
حتى الحكومة المصرية كانت دؤوبة على دفع المفاوضات بعيدًا عن ذلك، بل استغلت المؤتمر كمنصة لعقد المزيد من العقود لاستخراج الغاز الطبيعي، بشكل «كان مفاجئًا حتى للمصريين أنفسهم» بحسب تعبير أحد المراقبين الذي تحدث مع «مدى مصر» بشرط عدم ذكر اسمه.
وقال مراقب غربي آخر إن «إلقاء نظرة على يوم الطاقة [يبيّن] كيف تعاملت الرئاسة [المصرية] معه؛ كانت هناك ثلاث فعاليات شارك لاعبون في صناعات الوقود الأحفوري في استضافتها. كما أعطت الرئاسة منصات للسعوديين وغيرهم للترويج لبترولهم على أنه أنظف، أو الإعلان عن طرق لإزالة الكربون.»
اعتبر المصدر أن دول الخليج لها تأثير كبير سياسيًا على مصر موضحًا: «بالتأكيد لن تقف مصر في موقف معارض في كوب 27 أمام دول الخليج التي تنقذها من الانهيار الاقتصادي في أوقات الأزمات».
لكن نصر كان يرى أنه لا سبيل للتحول الأخضر إلا بالتعاون مع شركات الوقود الأحفوري.
بين نهاية أكتوبر وحتى 21 نوفمبر الماضيين، أعلنت عدة مؤسسات دولية توقيع حوالي 21 عقدًا جديدًا للاستثمار في مجال الغاز الطبيعي عالميًا، بحسب إحصاء مستقل اطلع «مدى مصر» عليه. من بين تلك العقود، كان لمصر وحدها أكثر من سبع اتفاقيات، منها توسعة الاستثمارات في مجال الغاز الطبيعي، وكذلك تصديره، وحتى محاولات غسيل السُمعة الأخضر بتقليص الانبعاثات الكربونية، مع استمرار الاستثمارات.
كان ذلك سلسًا، نظرًا للحضور القوي لممثلي شركات البترول والغاز الطبيعي وكذلك جماعات الضغط الخاصة بتلك الشركات، ووصل عددهم إلى أكثر من 600 شخص، بزيادة 25% عن العام الماضي، فيما كانت النسبة الأكبر منهم مُسجلين على وفد دولة الإمارات العربية المتحدة. وفاق عدد ممثلي تلك الشركات بكثير حجم أي وفد إفريقي في القمة.
على الجانب الآخر، دفاع الاتحاد الأوروبي عن تخفيف التغير المناخي أمر متوقع «الانتقال للطاقة النظيفة والتخفيف هو الملعب الأول للغرب بسبب تقدمه التكنولوجي، فحتى التحول للطاقة النظيفة في صالحه» بحسب مراقب مطلع على المفاوضات.
نتيجة لذلك، جاء النص الختامي للقمة، فيما يتعلق بالوقود الأحفوري، كنسخة من نص «كوب 26»، وتجاهل المقترحات التي دفع الاتحاد الأوروبي والهند تجاهها خلال المفاوضات، بما في ذلك إلزام الدول بخفض أو التخلص تدريجيًا من جميع أنواع الوقود الأحفوري بدءًا من 2025 على أبعد تقدير، وهو النطاق الزمني اللازم لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ.
بدلًا من ذلك، لم يفرض النص أهداف جديدة، وشدد على أن تلك الأهداف ستكون غير إلزامية أو عقابية، وتركها لكل دولة للتصرف بشأنها على حدة.
فشل أيضًا نص «كوب 27» النهائي في إلزام الدول المتقدمة والمسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات بتخصيص المزيد من التمويلات لمساعدة الدول النامية على تخفيف حدة تغيّرات المناخ والتأقلم معها٬ وذلك في مقابل التركيز على صندوق التعويضات والخسائر والمنظور لتمويله على أنه أكثر ليونة من تمويلات التكيف التي غالبًا ما تأتي في شكل قروض.
فقبل القمة، حذر تقرير جديد من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) من أن حجم تمويلات التكيف إلى البلدان النامية هو حاليًا أقل بخمس إلى عشر مرات، مما هو مطلوب، إذ من المتوقع أن تصل تكاليف التكيف السنوية المقدرة من 160 لـ 340 مليار دولار بحلول عام 2030، ومن 315 لـ 565 مليار دولار بحلول عام 2050، وفقًا للتقرير، فيما لم تف البلدان المتقدمة بعد بوعدها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل التخفيف والتكيف.
وقبل القمة أيضًا، طلبت مجموعة الدول الإفريقية إدراج بند محدد في جدول أعمال المؤتمر لمضاعفة تمويل التكيف، وهو الأمر الذي لم تنجح هذه الدول فيه.
وخلال القمة، حاولت الدول النامية الإعراب عن قلقها الشديد إزاء التعهدات التي لم يتم الوفاء بها من جانب البلدان المتقدمة لصندوق التكيف والذي يهدف إلى تمويل المشاريع والبرامج لمساعدة المجتمعات الضعيفة في البلدان النامية على التكيف مع آثار المناخ، دون نجاح يذكر.
عوضًا عن ذلك، تباهت الدول المتقدمة بشراكات انتقال الطاقة العادلة (JETPs)، التي أُطلقت لأول مرة في «كوب 26» كطريقة جديدة لمساعدة الدول المعتمدة على الوقود الأحفوري على التحول نحو الطاقة النظيفة بطريقة عادلة ومنصفة.
ووصف مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية خطة عمل بقيمة 20 مليار دولار لإندونيسيا بأنها أكبر صفقة لتمويل التخفيف والتكيف مع التغيّر المناخي على الإطلاق. لكن، المشكلة هنا هي نوعية التمويلات. فبعد عام واحد من إنشاء شراكات انتقال الطاقة العادلة في جنوب إفريقيا، ظهر أن الكثير من الأموال التي خُصصت حتى الآن كانت قروضًا.
على الرغم من ذلك، خرج النص النهائي دون أي تعهدات جديدة، ليشير بدلًا من ذلك إلى تكليف اللجنة الدائمة للشؤون المالية بإعداد تقرير عن هذه المسألة.
«نجاح دول الجنوب برئاسة مصر في اقتناص صندوق الخسائر والأضرار، كان هدفه الحصول على أرض صلبة للتفاوض عليها فيما بعد، حتى وإن كان المقابل الاستغناء عن المزيد من التمويلات لمساعدة الدول النامية على تخفيف حدة تغيّرات المناخ والتأقلم معها» بحسب مراقب طلب عدم ذكر اسمه مضيفًا أن «المفاوضات المناخية بطيئة للغاية، وغير كافية كما يرى الجميع، لكن لولا هذه المناقشات البطيئة المستمرة منذ ثلاثين عامًا لعلنا كنّا في وضع أسوأ بكثير من الآن.»