الخميس , 30 مارس 2023
الرئيسية / مقالات / مترجم: لماذا لن تنجح فكرة «الناتو العربي» على الأرجح؟

مترجم: لماذا لن تنجح فكرة «الناتو العربي» على الأرجح؟

نشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» مقالًا لـ هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، حول إمكانية إقامة حلف عسكري في الشرق الأوسط للتصدي للتهديدات الأمنية؛ وأبرزها إيران.

ويرى الكاتب أن مثل ذلك الحلف من غير المرجَّح نجاحه، بسبب عدم ثقة دول المنطقة في بعضها البعض، وتباين التهديدات الأمنية لكل دولة، مستشهدًا بعدد من الأمثلة السابقة على فشل التنسيق والتعاون العسكري العربي.

محاولات مستمرة فاشلة

ويستهل الكاتب المقال بقوله: في الشهر الماضي، أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعمه لتشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي على غرار حلف الناتو.

ويعود الاهتمام بتأسيس اتفاق عسكري إقليمي إلى سنوات الحرب الباردة، عندما ساعدت المملكة المتحدة في إنشاء حلف بغداد في عام 1955، على الرغم من انهيار التحالف بعد ثلاث سنوات بعد أن أطاح انقلابٌ عراقي النظامَ الملكي.

وهذا مجرد مثال واحد على المحاولات العديدة للتعاون العسكري الإقليمي التي تعثرت على مر السنين. وكان أحدثها اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2017 بإنشاء التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط؛ أيضًا على غرار حلف الناتو.

وعلى الرغم من أن التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط لم ينطلق، استمرت الجهود لحث قادة المنطقة على الاتفاق على ترتيب أمني تعاوني. وفي مارس (آذار) الماضي، عُقد اجتماع في منتجع شرم الشيخ المصري جمعَ ضباطًا عسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن ومصر والإمارات، لتقييم تهديد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة الإيرانية.

وفي الآونة الأخيرة، عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين اجتماعًا مع نظرائه من البلدان نفسها والمغرب لمناقشة القضايا الأمنية قبل زيارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة في منتصف يوليو (تموز). لكن من غير المرجَّح أن يحقق بايدن نجاحًا أفضل من أسلافه.

إن العداء العميق بين دول الشرق الأوسط، وعدم الثقة الدائم في بعضهم البعض، والخلاف حول تصور التهديدات الخارجية، يحول دون التعاون حتى على مستويات منخفضة، ناهيك عن تشكيل حلف عسكري.

تاريخ من الإخفاق

ينوه الكاتب إلى أن الدول العربية فشلت مرارًا وتكرارًا في التنسيق خلال اللحظات الحاسمة في الصراعات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، في حرب عام 1948 ضد إسرائيل، فشلت الجيوش العربية في تنسيق خططها، مما أدَّى إلى «نصر» إسرائيلي حاسم، بحسب الكاتب.

وفي عام 1950، تبنَّت الدول العربية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، وأنشأت قيادة عسكرية عربية موحَّدة ظلت غير نشطة حتى عام 1964، عندما قرروا في قمة عربية تحويل روافد نهر الأردن، وإرسال قوات سورية وعراقية إلى لبنان والأردن لحماية مواقع التحويل. ورفض كلا البلدين بعد ذلك قبول وحدات عسكرية عربية على أراضيهما.

لكن عشية ما يسميها الكاتب «حرب الأيام الستة» عام 1967، وقَّع الملك حسين، ملك الأردن، اتفاقية دفاع مع مصر، وعيَّن ضابطًا مصريًّا لقيادة الجيش الأردني، وسمح لفرقة من الجيش العراقي بدخول الأردن، وأمر الجيش الأردني بقصف مواقع إسرائيلية في القدس الغربية.

فعل الملك حسين ذلك على الرغم من تأكيدات رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، بأن إسرائيل لن تستولي على الضفة الغربية؛ إذا لم يشرع الجيش الأردني في أعمال قتالية. وبحسب الكاتب فقد خلُص حسين حينها أنّ حكم مملكته سيكون أسهل من دون الضفة الغربية، معتبرًا أن الشعب الفلسطيني رفض حكم الهاشميين، واغتالوا جده الملك عبد الله الأول عام 1951.

وفي عام 1973، خاضت مصر وسوريا حربًا ضد إسرائيل دون وضع إستراتيجية للحرب، بحسب الكاتب. وأراد الرئيس المصري آنذاك أنور السادات صراعًا محدودًا لإقناع الولايات المتحدة بتنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وفي المقابل، اعتقد الرئيس السوري حافظ الأسد أنه يستطيع استعادة مرتفعات الجولان، وأدَّى افتقارهما إلى التنسيق وتباين أهداف الحرب إلى تمكين الإسرائيليين من التقدم إلى مسافة 40 كيلومترًا (25 ميلاً) من دمشق.

يضرب الكاتب مثالًا آخر يخص مساعي دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء قوة عسكرية للدفاع خلال الحرب الإيرانية العراقية، خوفًا من هيمنة الطرف الذي سيخرج منتصرًا من الحرب الإيرانية والعراقية.

وفي عام 1984، شكَّلت هذه الدول «قوة درع الجزيرة» المتمركزة بالقرب من الحدود السعودية العراقية. غير أن الخلافات داخل المجلس، خاصة حول نشر القوات، كانت تعني أن القوة لم تتجاوز أبدًا 4 آلاف جندي وفشلت في منع العراق من غزو الكويت في عام 1990.

وفي إعلان دمشق، الذي صدر بعد فترة وجيزة من قيام التحالف بقيادة الولايات المتحدة بطرد العراق من الكويت، تعهدت مصر وسوريا بتقديم قوات عسكرية للدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي ضد التهديدات الخارجية. ونظرًا لعدم ثقتهما في نوايا الدولتين، يقول الكاتب إنّ السعودية والإمارات لم تحترما الإعلان، وشرعتا في خطط منفصلة لبناء جيشيهما بمساعدة الغرب.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2013، أعلن أعضاء مجلس التعاون الخليجي إنشاء قيادة موحَّدة لقوات مسلحة قوامها 100 ألف جندي، نصفهم من السعودية. وبعد ثلاثة أشهر، استدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر للاحتجاج على سياستها الخارجية، وألغيت القيادة العسكرية المقترحة.

وفي عام 2015، أطلقت السعودية والإمارات عملية عاصفة الحزم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وعرضت سبع دول عربية المشاركة في العملية لكن سرعان ما فكت ارتباطها. وفي عام 2019، انسحبت الإمارات، التي كانت تريد تأمين جنوب اليمن، واختارت الاعتماد على الشركاء المحليين التابعين لها لتحقيق أهدافها. وواصلت السعودية خوض الحرب بمفردها، مستخدمةً في الغالب قوات الجيش اليمني، والمرتزقة الأفارقة، وقواتها الجوية.

ويسهب الكاتب قائلًا أنّه في عام 2016، دعَت السعودية 20 دولة إسلامية للمشاركة في مناورات عسكرية تفاخرية تحمل الاسم الرمزي «رعد الشمال»، ونُظِّمت بالقرب من الحدود الكويتية، على بعد أقل من 400 كيلومتر من مدينة عبادان الإيرانية. واستمرت التدريبات الرمزية لمدة شهر تقريبًا، وشملت دولًا لا علاقة لها بالشرق الأوسط، مثل ماليزيا، والسنغال، وجزر المالديف، وموريشيوس. وكانت هناك دولة أخرى مشاركة هي قطر، التي حوصرت لمدة ثلاث سنوات بقيادة السعودية ومصر والبحرين بعد مرور عام واحد فقط على تلك المناورات.

معوقات التعاون

وفيما يخص الدول العربية في غرب آسيا، كان الخوف من استعداء إيران أحد معوقات التعاون.

وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي والأردن، إمكانية طهران لزعزعة استقرار أنظمتها. وتحرك إيران رغبة في الهيمنة على الخليج العربي، على الرغم من أنها أبدت استعدادًا للتعاون مع أنظمة معينة بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية.

وفي مواجهة هذا الواقع، حافظت بعض دول المنطقة، بما في ذلك عُمان، وقطر، والكويت، والإمارات، على درجات متفاوتة من الشراكة مع إيران.

وفي كل مرة تقترب الإمارات من إسرائيل، ترسل مسؤولًا كبيرًا إلى طهران لطمأنة القيادة الإيرانية، بأنها لن تسمح للقوى الأجنبية بشن هجمات على إيران من أراضيها. ودعا حاكم دبي في كثير من الأحيان إلى تخفيف العقوبات على طهران. وفي الوقت نفسه، لا تنظر مصر ودول شمال أفريقيا، التي تتباهى بامتلاكها أقوى جيوش عربية، إلى إيران باعتبارها عدوًا، ومن غير المرجَّح أن تنضم إلى تحالف تَعُدُّه إيران تهديدًا لها.

غير أن هناك دولًا أخرى ترى إيران تهديدًا أمنيًّا كبيرًا لها. وهذا ما يفسِّر سبب رؤية الأردن للوجود العسكري الروسي في سوريا على أنه قوة استقرار ضد كل من الحركات الإسلامية الراديكالية، ووكلاء إيران المتمركزين بالقرب من حدودها الشمالية.

ومع ذلك، أسفرت الحرب في أوكرانيا على وجه الخصوص عن انسحاب القوات الروسية من جنوب غرب سوريا، واستبدالها بميليشيات موالية لإيران. وبالإضافة إلى خطرها الأمني، نشطت هذه الميليشيات في تهريب المخدرات إلى منطقة الخليج عبر الأردن، مما أدَّى إلى اشتباكات متكررة على الحدود مع الجيش الأردني.

ومع ذلك، تتجنب الأردن انتقاد إيران، وتكتفي بالإشارة إلى الجماعات المسلَّحة المارقة التي تقوم بأنشطة غير مشروعة عبر حدوده. إن عدم رغبة الملك عبد الله الثاني في تسمية إيران على أنها تهديد يلقي بظلال الشك على دعمه لتحالف إقليمي على غرار حلف الناتو. وعلى الرغم من أنه لم يحدد الأساس المنطقي للمشروع، إلا أنه بدا قلقًا بشأن عودة ظهور الدولة الإسلامية في سوريا، بسبب انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا واحتمال اندلاع موجة ثانية من الانتفاضات العربية.

هناك عائق آخر أمام التحالف الأمني ​​الإقليمي، وهو حقيقة أن الدول العربية تعتمد منذ مدة طويلة على مانحي الأمن الخارجيين. ومنذ القرن التاسع عشر حتى استقلالها بين عامي 1961 و1971، كانت خمس دول من مجلس التعاون الخليجي تعتمد على لندن للدفاع عنها باعتبارها محميات بريطانية. وفي غضون ذلك، توصَّل السعوديون إلى اتفاق بشأن ترتيب أمني في عام 1945 مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.

ومنذ عام 2015، اقترحت الولايات المتحدة، دمج أنظمة الصواريخ الباليستية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديث أجهزتها الأمنية، وإجراء مزيد من التدريبات العسكرية، وتحسين قدراتها في مكافحة الإرهاب. لكن دول الخليج تريد التدخل الغربي المباشر للدفاع عنها. وفي السنوات الأخيرة، منحت دول الخليج عدة دول (وخاصة الولايات المتحدة) الحق في إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.

هدف أمريكا تحقيق التوازن في الخليج.. وليس هزيمة إيران

ذكر الكاتب أيضًا إلى أن أفراد العائلة المالكة السعودية، لا يثقون في قدرة قواتهم المسلَّحة للدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية، حتى وإن كانت تهديدات نابعة من مليشيات مثل الحوثيين، أو قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.

لقد أنفقت الرياض مئات المليارات من الدولارات على المشتريات العسكرية، على مدى العقود الأربعة الماضية، وما زالت بلا جيش مقاتل. وفي عام 2015، طالبت الرياض إدارة أوباما، بالتزام رسمي بالدفاع عنها ضد إيران، وهو ما لم تحصل عليه.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعرب في كثير من الأحيان، عن التزامها الثابت بالدفاع عن السعوديين ودول مجلس التعاون الخليجي، فإنها تريد في النهاية الحفاظ على توازن إقليمي في الخليج، وليس هزيمة إيران.

وبالإضافة إلى ذلك، لا يحترم كبار المسؤولين الأمريكيين القيادة السعودية. وأصدر آخر ثلاثة رؤساء أمريكيين تصريحات سلبية بشأن المملكة، ووصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما السعوديين بأنهم «مستفيدون بالمجان»، وأخبر ترامب الملك سلمان أنه لن يستمر في منصبه لمدة أسبوعين دون دعم الولايات المتحدة، وقال بايدن إن الحكومة السعودية «لا تتمتع سوى بقليل من القيمة الاجتماعية التصحيحية».

أما فيما يخص إسرائيل، فلا دليل يشير إلى اهتمامها بأكثر من العلاقات التجارية مع الإمارات والسعودية، على الرغم من الضجة التي أثيرت حول فجر عهد جديد في التعاون العربي الإسرائيلي. وقد تكون إسرائيل حريصة على بيع دول مجلس التعاون الخليجي، أنظمة متقدمة مضادة للصواريخ، وتعزيز العلاقات التجارية، ولكن أن يتوقع العرب أن تقاتل إسرائيل إيران نيابةً عنهم فهذا ليس إلا ضربًا من الخيال.

ويختتم الكاتب مقاله بالقول: يدرك السعوديون أن الحصول على التزام أمريكي بالحماية ليس بديلًا عن تحسين علاقاتهم مع إيران. وعلى الرغم من المحادثات الجارية في بغداد بين الرياض وطهران، سيعيق انعدام الثقة أي اتفاق عملي بينهما.

وبالإضافة إلى ذلك، لن تطبِّع السعودية علاقاتها مع إسرائيل حتى يخلف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والده. وحتى يحدث ذلك، لا يشك السعوديون في أن إسرائيل لن تمنحهم ضمانات أمنية تتجاوز ما يمكن أن تقدمه واشنطن. وإنما تتشكَّل التحالفات العسكرية لمعالجة مخاوف أمنية محددة وواضحة أمام جميع الدول المشاركة. وفي المنطقة العربية، لن تسمح التحولات المتكررة في السياسة بإقامة تحالف أمني مستقر ودائم.

شاهد أيضاً

ابتزاز المصريين في الخارج بالوثائق الثبوتية

واحد من المطالب البسيطة لمنظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية وغير المكلفة سياسياً للنظام الحاكم في …