الأربعاء , 29 مارس 2023
الرئيسية / مقالات / بعد أسبوع من إخطار السكان.. محافظة الجيزة تبدأ إزالة عوامات الكيت كات

بعد أسبوع من إخطار السكان.. محافظة الجيزة تبدأ إزالة عوامات الكيت كات

استيقظت إخلاص حلمي صاحبة الـ87 عامًا فجر اليوم، بعد حلمٍ راودها حول إبعادها عن المكان الذي عاشت فيه منذ نحو 20 عامًا. جاهدت حلمي محاولة فصل الواقع عن الحلم. «هما بدأوا يهدوا خلاص؟» تساءلت حلمي في فزع، قبل أن تدرك أن موعد فراقها لمكان معيشتها لم يحن بعد، ولكنه لا يزال على بعد أيام.

أخيرًا، وبعد أن تأكدت حلمي أنه ما زال لديها بضعة أيام في عوامتها، بدأت في مباشرة أعمالها الروتينية، من جمع الملابس التي تركتها أمس لتجف على نسيم النيل الذي يرسو فيه منزلها، ثم إطعام بعض الطيور التي تحتفظ بيها، وري الأشجار التي زرعتها وعائلتها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن في مكان رسو العوامة. وبينما تستعيد حلمي ذكرياتها حول أركان المنزل، أخرجتها أصوات صاخبة في من رحلتها، لتقف محاولة العثور على تفسير سريع، قبل أن تبدأ الأرض التي تقف عليها في الاهتزاز. خرجت حلمي إلى شرفة منزلها المُطلة على النيل لتجد صنادل تقترب من منزلها، ليعود إليها مجددًا الفزع الذي أيقظها من النوم. لكن لحسن حظ حلمي، عبرت الصنادل هذه المرة في سلام، متجهة صوب عوامة أخرى وهي تطلق صافرتها معلنة البدء في هدم منزل آخر.

بعد ذلك بساعات قليلة، كانت عوامات أخرى في محيط منزل حلمي قد هدمت أدوارها العلوية، لتبدأ بعد ذلك لانشات في جرّها بعيدًا لتعبر أسفل أحد الجسرين المحيطين بنصف كيلومتر تقريبًا رست فيه العوامات منذ عقود طويلة.

المنازل التي هدمت صباح اليوم كانت بداية فقط لتنفيذ قرار وزارة الري بإزالة 19 عوامة سكنية راسية في محيط ميدان الكيت كات، وذلك رغم عدة طلبات إحاطة قدمها نواب في البرلمان، واستغاثات متعددة قدمها قاطنو العوامات لرئيس الجمهورية، وكذلك دعاوى قضائية رُفعت أمام القضاء الإداري ومجلس الدولة، ولم يُبت فيها بعد.

لسنوات طويلة، عاشت الكاتبة أهداف سويف في منزلها الذي وجدت فيه ضالتها من الهدوء والسكينة، وكذلك القُرب من الأماكن الحيوية التي تتردد عليها. «كان المكان المثالي» تقول سويف لـ«مدى مصر»، متذكرة وقت شرائها للعوامة. وبطبيعة الحال، لم تقصر سويف في البحث عن مدى قانونية إقامتها في عوامة على النيل، وبحثت طويلًا في الأوراق التي ستحصل عليها حال إتمام عملية الشراء من المالك السابق، وأيضًا تكاليف الإقامة التي تختلف عما ستدفعه إن اشترت شقة أخرى في عمارة سكنية تقليدية.

خلال ذلك الوقت، وجدت سويف أن المدفوعات الحكومية الأساسية تنقسم لثلاثة أقسام: رسوم مقابل حق انتفاع بالمرسى، ورخصة رسو بالمرسى، وأخيرًا رخصة تفيد بصلاحية العوامة ومتانتها، وهي التكاليف التي تأكدت سويف من قدرتها على الوفاء بها. لكن، بعد سنوات، فوجئت سويف وعشرات من ملاك العوامات بقرار من وزارة الري ينذرهم بدفع مستحقات متأخرة نظير رسو العوامات الخاصة بهم، بالإضافة إلى ضرورة البدء في نقل متعلقاتهم بعيدًا عن العوامات التي اتخذت المحافظة قرار نهائي بإزالتها دون إبداء أسباب أو توفير بدائل أخرى لهم.

وبدأت وزارة الري تنفيذ القرار السبت الماضي، بإزالة ثلاث عوامات، قالت الحكومة إن ملاكهم أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين مُتحَفظ على ممتلكاتهم بحكم قضائي، فيما قال رئيس إدارة حماية النيل بالقاهرة الكبرى بوزارة الري، أيمن نور، إن وزارته تعتزم إزالة 19 عائمة أخرى الثلاثاء المقبل، يتبعها العشرة المتبقين في بداية يوليو المقبل.

على الفور قدم ملاك وقاطنو العوامات استغاثة إلى مكتب رئيس الجمهورية، بقصر الاتحادية، لوقف تنفيذ قرار وزير الري بإزالة 32 عائمة سكنية في المنطقة بين كوبري 15 مايو وكوبري إمبابة. وقال أحد أعضاء فريق الدفاع عن أصحاب العوامات، أحمد عبد الهادي، إنه وآخرين قدموا 32 دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري اختصموا فيها كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزراء الري والعدل والداخلية، إلى جانب محافظ الجيزة ومديريّ إدارة حماية النيل وتراخيص العائمات، وطالبوا فيها بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إزالة العائمات، وإلزام الحكومة بتجديد تراخيصها، وجاري تحديد جلسة لنظر الدعاوى.

بالإضافة إلى ذلك، تقدمت عضو مجلس النواب، أميرة صابر، بطلب لرئيس المجلس للاستعلام عن القرار والتعبير عن رفضه. وفي بيانها، قالت صابر إن تلك العوامات تعتبر شاهدًا على وقائع تاريخ مصر السياسي والثقافي والفني، من ميلاد قامات فنية مثل: فريد الأطرش، ومحمد عبد المطلب، ومحمد عبد الوهاب، وبديعة مصابني، وتحية كاريوكا، ونجيب الريحاني، والكتابات التي تحدثت عنها كتب نجيب محفوظ، وكونها مسرحًا لقصص الجواسيس والأحداث السياسية.

وأشار بيان صابر إلى مبررات ساقتها الحكومة لتبرر قرارها، بدءًا من زعم مخالفتها للقانون، مرورًا بتلويثها مياه النيل، وحتى اعتبارها وكرًا لأعمال خارجة عن القانون، بحسب رئيس إدارة حماية النيل بالقاهرة الكبرى بوزارة الري، أيمن نور، في تصريحات تليفزيونية.

لكن، مالكي وقاطني تلك العوامات يرفضون تلك الاتهامات. بحسب بيان صابر، فإن الحكومات المتتالية منذ الستينيات اتخذت عدة قرارات لتقليص عدد العوامات من 600 وقتها إلى نحو 30، بالتزامن مع إيقاف إصدار أي تراخيص لعوامات جديدة في عام 2006، وغلق فرص تحرك تلك العوامات، لترسوا نهائيًا في منطقة الكيت كات. ومنذ ذلك الوقت، استمر أصحاب العوامات وقاطنيها الالتزام بدفع مقابل الرُخص المطلوبة منهم، وكافة الالتزامات التي رفعت سعرها الحكومة مرات متتالية حتى عام 2016، بحسب سويف. ففي عام 2016، قامت وزارة الري بتغيير طريقة حساب قيمة رخصة الرسو الخاصة بالعوامات، بالإضافة إلى رفع سعرها، لتتحرك إجمالي قيمة الرخصة من 160 جنيهًا عام 2013 إلى حوالي 60 ألف جنيه في 2017، بحسب سويف.

هذه الزيادة الكبيرة في الرسوم أجبر الملاك على التوجه إلى القضاء في محاولة لتخفيض قيمة الرخصة. «كنا عارفين إننا هندفع أكتر مع الوقت، لكن أكيد مش كل دا»، تقول سويف.

بالرغم من ذلك، استمرت الحكومة في تحصيل مقابل رخصة الصلاحية ومقابل حق انتفاع بالمرسى. ولكن في 2020، وبعد تقديم الملاك لأوراق تجديد الرخصة السنوية واستيفائهم الطلبات كافة، رفضت محافظة الجيزة الموافقة على الرخصة. «وقتها المحافظة مقالتش إنها رفضت، لكن قالوا إنهم مستنيين المحافظ يصدق على الموافقة. لكن في الحقيقة، واضح أن المحافظة وقتها قررت إزالة العوامات بدون ما يبلغوا الناس أو يحاولوا يوصلوا معاهم لحل»، تقول سويف، مضيفة أن المحافظة زعمت وجود بعض المشاكل في العوامات، رغم إفادة تقارير حكومية بغير ذلك، وهو ما نتج عنه تشكيل لجنة تحت سلطة جهاز مشروعات القوات المسلحة تختص بتحديد سلامة تلك العوامات، وبدأت اللجنة عملها في نوفمبر 2021. لكن، لم تقم اللجنة بالبت في ذلك حتى الآن.

على عكس سويف، قالت منار مجدي، صاحبة إحدى العوامات، لـ«مدى مصر» إنها لم تتخلف عن تجديد ترخيص عوامتها سوي خلال عام 2021 بسبب رفض محافظ الجيزة وجهاز مشروعات القوات المسلحة تجديد الترخيص.

هناك سبب آخر ادعت الحكومة لسان رئيس إدارة حماية النيل بالقاهرة الكبرى بوزارة الري، أيمن نور، أنه سبب إزالة العوامات وهو التلوث الذي تلقيه في النيل، وهي الحجة التي يرفضها ملاك العوامات، إذ أن كافة العوامات متصلة بشبكات ري وصرف صحي وكهرباء، وهو ما يعني عدم وجود أي مخلفات تلقيها العوامات في النيل.

وبحسب نور، فإن السبب الأخير هو استخدام بعض العوامات في أنشطة «مخالفة للسكن»، مثل التجارة أو الإعلام. وبينما لم يحدد نور أي تلك العوامات خالفت شروط الترخيص الذي ينفي أصلًا حصول العوامات عليه، طالبت سويف من الحكومة التوجه إلى تلك العوامات والتعامل معها بالقانون، دون المساس بآخرين لم يرتكبوا نفس المخالفات.

طلبت الحكومة من الملاك دفع قيمة المخالفات المتراكمة عليهم بالإضافة إلى إزالة العوامات، بالرغم من وجود دعاوي في مجلس الدولة ضد قيمة تلك التراخيص والمخالفات، بل، وبحسب سويف، جمدت الحكومة حسابات الملاك البنكية لضمان حصولهم على قيمة تلك المخالفات، والتي وصلت إلى نحو أكثر من مليون جنيه للعوامة الواحدة.

«عندي 87 سنة وبعت شقتين في الزمالك من 20 سنة عشان أقضي اليومين اللي فاضلين في عمري على النيل، وفجأة الحكومة قررت ترميني في الشارع وتاخد العوامة وفوقيها فلوس كمان»، تقول إخلاص حلمي، صاحبة أول عوامة بجوار كوبري 15 مايو، لـ«مدى مصر».

لم تترك الحكومة أي منفذ لأصحاب تلك العوامات، وقررت تنفيذ قرار الإزالة خلال أقل من أسبوع من إخطار أصحابها، تقول سويف، مشيرًة إلى أن مقترح الحل الوحيد الذي جاء على لسان نور كان تغيير النشاط السكني إلى ترخيص تجاري أو سياحي، وهو ما يشمل رسوم أكبر بكثير.

«حتى لو عايزين نعمل كدة، إحنا هنتحمل مصاريف جر العوامة لحد المخزن وإيجار التخزين، وكمان مصاريف رجوعها في حالة دخلنا مزاد واشترينا حق انتفاع العوامة بتاعتنا أصلا وهنقدر نرجعها مكانها، وقبل كله دا هما هيكونوا أزالوا الدور التاني عشان يعدوها من تحت الكوبري لما يجروها»، تقول سويف.

شاهد أيضاً

ابتزاز المصريين في الخارج بالوثائق الثبوتية

واحد من المطالب البسيطة لمنظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية وغير المكلفة سياسياً للنظام الحاكم في …