الخميس , 1 يونيو 2023
الرئيسية / مقالات / هل ترسي قمة شرم الشيخ مبادرة أمنية إقليمية ضد إيران؟

هل ترسي قمة شرم الشيخ مبادرة أمنية إقليمية ضد إيران؟

اتجهت كل الأنظار إلى شرم الشيخ هذا الأسبوع، حيث استضافت المدينة قمة استمرت يومين بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.

جلس الزعماء الثلاثة أمام الكاميرات، في جلسة تصوير حظيت بتغطية إعلامية كبيرة الثلاثاء الماضي، بعد يوم من المحادثات. وتم الإعلان أن المحادثات تركزت على التطورات الإقليمية والطاقة والأمن الغذائي. جرى التعامل مع المشهد باعتباره إظهارًا للوحدة بين الدول الثلاث التي كانت تربطها علاقة متوترة منذ تطبيع الإمارات للعلاقات رسميًا مع إسرائيل في 2020، لتحل محل الدور التاريخي لمصر كوسيط إقليمي أساسي وداعم للعلاقات مع تل أبيب.

وتُعد هذه القمة أول لقاء علني بين قادة مصر وإسرائيل والإمارات، كما أنها المرة الأولى التي يقضي فيها رئيس وزراء إسرائيلي ليلته في مصر منذ أكثر من عقدين.

عُقدت القمة كذلك في لحظة إعادة تقويم جيوسياسي في المنطقة، إذ تتبع الدول، بل تتفاخر أحيانًا، خطوطًا حمراء جديدة يرسمها الغرب بشأن العلاقات مع روسيا. كما أدى غزو أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة، ما يهدد اقتصادات مثل الاقتصاد المصري المُعرض بشكل خاص للتأثر بالعوامل الخارجية. هناك أيضًا قلق مشترك بين إسرائيل والعديد من دول الخليج بشأن تسارع وتيرة المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 -الذي مارس السعوديون والإماراتيون والإسرائيليون ضغوطًا شديدة ضده- بسبب الحاجة إلى إعادة دمج طهران في الاقتصاد العالمي لتخفيف الضغط الشديدة على إمدادات الطاقة.

ومع ذلك، ورغم أهمية هذه القمة الظاهرة، فقد عُقدت في اللحظة الأخيرة، وفقًا لمسؤول حكومي مصري مطلع، إذ جرى تنظيم زيارات ابن زايد وبينيت «في وقت قصير» بمبادرة إماراتية.

اتفقت مصادر سياسية ودبلوماسية مقرها القاهرة، وأخرى مقرها الخليج، على أن جدول أعمال الاجتماع يركز على التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي الذي سيجمع الدول الثلاث إلى جانب المملكة العربية السعودية والبحرين، إلا أن مصر لا تزال متشككة تمامًا فيما يتعلق بإطار أمن إقليمي أوسع نطاقًا، ما قد يربط أهداف سياستها الخارجية بأهداف جيرانها الأقوياء على نحو أكبر.

تتفق مصادر دبلوماسية في الخليج على أن سبب الضغط الذي تقوده الإمارات من أجل ترتيب أمني إقليمي جديد هو القلق بشأن إيران، وتقول إن دول الخليج وإسرائيل وضعت بالفعل خطة مُسبقة قبل التوقيع الوشيك على الاتفاق الجديد.

«نحن نتحدث عن نظام إقليمي جديد يتم تصميمه بعد اتفاقيات إبراهيم. في هذا النظام الجديد، ستندمج إسرائيل بشكل كامل في المخطط الأمني​​، بمباركة شركائها القدامى والجُدد في عملية السلام» يقول مصدر من عاصمة خليجية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.

وبينما ينصب التركيز على إيران، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل قد تزايدت مخاوفها أيضًا بشأن تعامل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مع الشؤون الإقليمية.

في أعقاب التقارير التي وردت في وقت سابق من هذا الشهر عن أن الولايات المتحدة تدرس رفع اسم «الحرس الثوري الإيراني» من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، أصدر بينيت ووزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، بيانًا مشتركًا قالا فيه إنهما «يرفضان تصديق أن الولايات المتحدة سترفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية».

بالنسبة للسعودية، ينبع الإحباط من إحجام الرئيس الأمريكي عن التعامل مباشرة مع ولي العهد، محمد بن سلمان. قبل أسبوعين، وفقًا لأحد المصادر الإقليمية المطلعة، حظر محمد بن سلمان مكالمة هاتفية محتملة بين جو بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. وبحسب المصدر، فإن ولي العهد السعودي «أخبر الأمريكيين أن الملك دخل المستشفى، وأنه سينظر في تحديد موعد المكالمة بنفسه مجرد أن يتلقى طلبًا من واشنطن».

«ليس من اختصاص واشنطن أن تقرر مَن يدير المملكة. محمد بن سلمان موجود، وليس من شأن بايدن أن يقرر ممثل الملك» قال المصدر المقيم في الخليج.

وتأتي محادثات شرم الشيخ بعد وقت قصير من إبداء زعماء الدول الثلاث تعاطفهم مع روسيا التي واجهت إدانة واسعة النطاق وعقوبات من الغرب.

في الأيام التي أعقبت الغزو، وقّع السعوديون والإماراتيون على بيان جامعة الدول العربية الذي لا يدين روسيا وبدلًا من ذلك يدعو إلى الدبلوماسية، تجنبًا للتصعيد وأخذ الوضع الإنساني في الاعتبار.

كما انضمت الإمارات، العضو غير الدائم والرئيس الحالي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى الصين والهند في الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يطالب روسيا بوقف غزوها لأوكرانيا، في حين رفضت روسيا القرار. في ذلك الوقت، برّر أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، القرار بالقول إن الإمارات تعتقد أن الاصطفاف والانحياز إلى جانب واحد «لن يفضي إلا إلى مزيد من العنف».

ومع ذلك، انضمت السعودية والإمارات إلى 138 دولة أخرى للتصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بوقف غزوها لأوكرانيا وسحب جميع قواتها. وفقًا لمصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة، فقد صوتوا فقط لصالح القرار الذي يدين الحرب على أوكرانيا بعد «حديث صارم» من جانب الولايات المتحدة.

«عندما امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن» يقول مصدر سياسي مقيم في الخليج؛ «قالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة لنظيرها: جنودنا في أبو ظبي يرصدون الطائرات بدون طيار التي كان من الممكن أن تضرب عاصمة بلادك، وأنت لا تريد أن يغادر هؤلاء الجنود الإمارات»

ومع ذلك، فإن هذا التنازل لا يعني انسجام الإمارات والسعودية تمامًا مع أهداف السياسة الأمريكية؛ قام وزير الخارجية الإماراتي بتحدٍ عندما توجه إلى موسكو للقاء نظيره الروسي في 17 مارس الجاري. وبعدها بأيام، صرّحت المملكة، التي لم توافق على زيادة إنتاج البترول رغم الضغط الأمريكي، أنها «لن تتحمل المسؤولية فيما يتعلق بأي نقص في تلك الإمدادات حيث تتعرض منشآتها النفطية للهجوم من جانب مليشيات الحوثي».

رغم تزايد الاصطفاف الخليجي الإسرائيلي الذي وصل إلى ذروته في قمة شرم الشيخ، لا تزال مصر متشككة في البنود القابلة للتنفيذ المنبثقة عن تلك القمة، ولا تنتابها نفس المشاعر المعادية لإيران.

«لن يتمخض عن القمة أي نتائج كبيرة، لكننا لا نستطيع الرفض» يقول المسؤول المصري. «نعم، ستكون جميع القضايا مطروحة على الطاولة، ومن بينها المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية المحتملة، والمحادثات غير المباشرة المحتملة بين سوريا وإسرائيل، لكنني لست متأكدًا من أن هذا قد يحدث حقًا في وقت قريب على أي من الجبهتين».

ويضيف المصدر أن مصر والإمارات لا تتفقان تمامًا على وتيرة مخطط التطبيع. «بصراحة، الإمارات العربية المتحدة لم تكن شفافة للغاية بشأن ما تفعله [في هذا الملف]».

كانت المصادر المصرية صريحة للغاية بشأن استياءها من موقف الإمارات على عدة جبهات، أبرزها الدعم الذي تقدمه أبو ظبي لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في ظل الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا حول ملء «سد النهضة»، والتأثيرات المحتملة له على سياسات مصر المائية.

وأعربت المصادر نفسها عن خيبة أمل مماثلة من رفض إسرائيل استخدام علاقاتها الطيبة مع إثيوبيا للتدخل نيابة عن مصر في نفس القضية.

يوافق المصدر المقيم في الخليج على وجود توتر كبير اسرائيلي – إماراتي مع مصر، «صحيح أن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل هي اليوم أقرب بكثير من العلاقات بين الإمارات ومصر، لكن لا يمكن استبعاد مصر من الحسابات الإقليمية».

علاوة على ذلك، حافظت مصر على موقف متناقض تجاه إيران في السنوات الأخيرة.

«أعتقد أنه من الصواب القول إنه عندما يتعلق الأمر بإيران، فقد حافظنا دائمًا على سياسة مستقلة تمامًا، ليس فقط عن سياسة الإمارات العربية المتحدة، ولكن أيضًا عن السعوديين. غالبًا ما طُلب منا إصدار بعض التصريحات الحادة ضد إيران، لكننا إما أصدرنا بعض البيانات المُصاغة بعناية شديدة أو لم نصدر أي بيانات على الإطلاق» قال مصر حكومي سابق رفيع المستوى لـ«مدى مصر» سابقًا.

ومع ذلك، لا تزال مصر تحت النفوذ الخليجي الهائل نظرًا لاعتماد القاهرة المالي على دعم المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة.

خلال الأسبوع الجاري، واجهت القاهرة تأثرًا بالتداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا اضطرابات متزايدة؛ تخفيض قيمة عملتها ورفع أسعار الفائدة وطلب للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، لذا اتفقت القاهرة مع شركة أبو ظبي التنموية القابضة، وهي صندوق سيادي مقره العاصمة الإماراتية، على استثمار حوالي ملياري دولار في البلاد عن طريق شراء حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات، من بينها أكبر بنك مُدرج في البلاد، حسبما أفادت «بلومبرج» الثلاثاء الماضي.

يتضمن جزء من الاتفاقية مع الصندوق السيادي شراء حوالي 18% من بنك «التجاري الدولي»، وشراء حصص في أربع شركات أخرى مُدرجة في البورصة المصرية، هي «فوري للخدمات المصرفية»، و«أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية»، و«مصر لإنتاج الأسمدة»، و«الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع».

حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت مصر تجري محادثات لتعزيز وضعها الاقتصادي في مواجهة الضغوط المحتملة. في أواخر يناير الماضي، شرع السيسي في زيارة للإمارات، التي كانت الأولى ضمن عدة زيارات لعواصم خليجية لتأمين اتفاقيات تعاون مالي مباشر. ثم زار السعودية في أوائل مارس، بمجرد اندلاع الحرب في أوكرانيا واتضاح تداعياتها المالية.

«لا أحد في الخليج يستطيع أن يحتمل تعرض مصر لأزمة اقتصادية حادة قد تؤدي إلى توترات مثل تلك الناجمة عن احتجاجات الغذاء في الجزائر أو المغرب»، قال مصدر حكومي لـ «مدى مصر» بمناسبة زيارة السيسي للرياض، موضحًا أن «الاستقرار السياسي في مصر ليس مجرد شأن داخلي يخص الإدارة في القاهرة، بل هو مصدر قلق الجميع، وخاصة الخليجيين، الذين ينبُع دعمهم للقاهرة خلال السنوات الثماني الماضية من هذا الإدراك».

شاهد أيضاً

تقرير دولي: مصر تواجه أزمة اقتصادية قد تودي باستقرارها

نشر موقع مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل تقريرا، شارك فيه ريكاردو فابياني ومايكل وحيد حنا، …