الأربعاء , 29 مارس 2023
الرئيسية / مقالات / وقائع ما جرى في «الحسينية».. اﻷزمة أكبر من نقص الأكسجين

وقائع ما جرى في «الحسينية».. اﻷزمة أكبر من نقص الأكسجين

بعد احتجازه أكثر من 24 ساعة، أخلت نيابة الحسينية بمحافظة الشرقية، مساء الإثنين الماضي، سبيل أحمد ممدوح، مصور فيديو واقعة وفاة أربعة مصابين بفيروس كورونا داخل العناية المركزة بقسم العزل في مستشفى الحسينية المركزي، السبت الماضي. استمعت النيابة لأقوال ممدوح، وصرفته دون أن توجه له تهمة رسمية بخصوص اتهامات مدير المستشفى له باقتحام العناية المركزة، وإرباك اﻷطباء، والتصوير بدون إذن، أو بخصوص أي من الاتهامات التي وجهها له «إعلاميًا» عدد من المسؤولين؛ بفبركة الفيديو لخدمة الجماعات المعادية لمصر.

«كل من في العناية توفى، مفيش أكسجين»، قالها ممدوح في الفيديو، مرجعًا وفاة المرضى اﻷربعة لانقطاع الأكسجين عنهم، وهو ما أكدته شهادات آخرين من أهالي الضحايا، ونفاه مسؤولو وزارة الصحة، ومحافظة الشرقية، فيما تستمر تحقيقات النيابة التي شكلت لجنة فنية لفحص أجهزة التنفس بالمستشفى.

بعد يومين من الواقعة، قررت وزيرة الصحة تفعيل نظام إلكتروني لمتابعة مؤشرات توافر الأكسجين في مستودعات المستشفيات الحكومية، وخاصة تلك المخصصة لعزل مصابي «كورونا»، وذلك عبر إلزام مديري المستشفيات بتصوير مؤشرات عدادات الأكسجين عدة مرات على مدار اليوم، وإرسالها إلى غرفة مركزية بالوزارة.

قرار الرقابة المركزية على اﻷكسجين جاء بعد أقل من 24 ساعة من تأكيد الوزيرة على توافر الأكسجين بجميع المستشفيات التي تستقبل مرضى كورونا، وخصوصًا مستشفى الحسينية، التي قالت الوزيرة إن الوفاة المتزامنة لمرضاها اﻷربعة كانت نتيجة مضاعفات كورونا، وكونهم مصابين بأمراض مزمنة، وليست بسبب نقص الأكسجين، في تكرار لما قالته قبل يوم واحد، تعليقًا على واقعة مماثلة راح ضحيتها مصابين بـ«كورونا» داخل العناية المركزة بمستشفى زفتى العام، المخصص للعزل، وسط اتهام من اﻷهالي لنقص الأكسجين بالتسبب في وفاة المريضين.

بين روايات اﻷهالي وبيانات المسؤولين، تظهر شهادات مصادر مختلفة من اﻷهالي واﻷطقم الطبية، تحدثوا لـ«مدى مصر»، أن ما حدث في «الحسينية»، يتخطى أزمة نقص اﻷكسجين، وصولًا لكون المستشفى جزءًا من نظام صحي مرهق بفعل زيادة أعداد مصابي كورونا، ما يجعل بعض الإهمال وسوء الإدارة قاتلًا.

«الأكسجين كان بيخلص من فجر الجمعة»، يقول أحمد نور الدين، نجل إحدى المتوفيات في عزل الحسينية مساء السبت، لـ«مدى مصر»، موضحًا أنه -وعددًا من أهالي المرضى- كان مقيمًا أمام مدخل المستشفى منذ اﻷربعاء 30 ديسمبر، حين تم عزل والدته، مريم أحمد (67 عامًا)، المصابة بكورونا، وذلك ليقوم بإحضار الأدوية والمستلزمات التي يطلبها الأطباء.

يضيف نور الدين أنه وباقي اﻷهالي فوجئوا فجر الجمعة (1 يناير)، بحدوث مشادة كلامية بين أحد أطباء قسم العزل، وبين العامل المسؤول عن محبس الأكسجين الموجود في مدخل المستشفى، بسبب قيام الأخير بتقليل ضغط الأكسجين المتدفق من المستودع «التانك» إلى غرف عزل المرضى، إلى النصف، ما تسبب في وفاة مريض داخل العناية المركزة الفائقة، «الدكتور اتخانق مع العامل ومسك فيه وكان هيضربه، وفهمنا من الزعيق إنه قفل المحبس شوية عشان عربية الأكسجين قدامها ساعات، وخاف يخلص قبل ما توصل».

مهمة هذا العامل هي مراقبة عداد «تانك» الأكسجين، لمعرفة الكمية المتبقية في التانك، وإبلاغ الفني المختص بشبكات الأكسجين، ومدير الرعاية المركزة، وبعده مدير المستشفى، ليستطيعوا تحديد الوقت المتبقي قبل نفاد الأكسجين، ومطالبة مسؤول مديرية الصحة التابعين لها بالإبلاغ عن الحاجة لإعادة شحن تانك الأكسجين قبل وقت كافٍ من نفاده، حسبما توضح إحدى الممرضات العاملات في قسم العزل في مستشفى الحسينية لـ«مدى مصر».

تقول الممرضة إن ضخ الأكسجين في المستشفى يتم من خلال تانك موصل بمواسير تمد غرف المبنى المخصص للعزل، بخلاف عدد من الاسطوانات موصلة بشبكة أخرى تمد المبنى الذي يضم الأقسام التي تستقبل الحالات العادية، وأحيانًا في حال فراغ التانك يتم ربط مبنى العزل بعدد من اسطوانات الأكسجين.

عقب مشادة الطبيب والعامل أصبح أهالي المرضى يترددون على عداد الأكسجين كل ساعة، لمتابعة عدد الليترات المتبقية في التانك، بحسب نور الدين، الذي أضاف أنه في السادسة من مساء السبت، 2 يناير، حضر نائب مدير المستشفى لمتابعة العداد بنفسه، وتجمهر حوله أهالي المرضى وسألوه عن إمكانية توفير أسطوانات أكسجين لأهاليهم، ولكنه طمأنهم بأن المستشفى لديه كمية احتياطية من الأكسجين تكفي 12 ساعة، وأنه سيطلب البدء في استخدامها فورًا، ولكن الكمية الاحتياطية لم تكفِ سوى «دقائق».

بعد قليل من حديث نائب مدير المستشفى للأهالي، ذهب نور الدين إلى مبنى الرعاية، بناء على طلب أحد اﻷطباء، الذي طلب منه إحضار دواء لوالدته، «الدكتور يوسف في الرعاية طلب مني أجيب حقنة سوليوميدرول نُص جرام»، ليعود الابن بالعقار المطلوب في الثامنة والنصف مساء، سلّم الدواء للطبيب، واطمأن على والدته، التي أخبره الطبيب أن حالتها تتحسن، وطلب منه أن يحضر لها طعام خفيف «زبادي».

ما لم يعرفه نور الدين، أنه في ذلك الوقت كان جميع العاملين في المستشفى يعرفون أن الأكسجين أوشك على النفاد، وأن المسؤولين يردون عليهم بأن سيارة الأكسجين «على وصول»، حسبما تقول لـ«مدى مصر» إحدى ممرضات المستشفى، والتي فضّلت عدم ذكر اسمها.

في حدود الثامنة مساءً، لاحظت الممرضة، التي تعمل في قسم حضّانات اﻷطفال، صراخ عدد من الأطفال الموجودين في القسم، وبدا عليهم عدم الارتياح، فتفقدت خرطوم اﻷكسجين الموصول بأنف أحدهم، ولمّا لم تشعر بشيء خارج من الخرطوم، عرفت أن الأكسجين في المستشفى قارب على النفاد، موضحة أنها قامت بفتح محبس الأكسجين الواصل للحضانة على أقصى سعة له، حتى يسمح بمرور أكبر كمية للأطفال، الذين يحتاجون ضغط أكسجين أقل بكثير من البالغين، حسبما قالت.

في التاسعة والنصف، عاد نور الدين -ومعه الزبادي- إلى مبنى الرعاية، وبمجرد دخوله وجد اﻷطباء وفريق التمريض يركضون في المبنى محاولين توفير أجهزة إنعاش يدوية لمساعدة المرضى على التنفس نظرًا لنفاد اﻷكسجين. «دخلت لاقيت أمي بتّطلع في الروح. جهاز التنفس الصناعي وقف ومش قادرة تتنفس. مسكتني من رقبتي وقالتلي الحقني. الدكتور حاول ينفخ لها لكن لحظات وماتت».

يستكمل نور الدين: «قعدت في الأرض من الصدمة، وبعدين قُمت ساعدت الدكتور والتمريض اللي كانوا في حالة صعبة، ومسكت معاهم جهاز النفخ اليدوي، والدكتور جاب أسطوانة أكسجين، وقدر يلحق اثنين من المرضى».

ويضيف: «أمين الشرطة اللي قدام باب الرعاية لاحظ إني اتأخرت جوّا، ففتح الباب وخرجني بالعافية. قعدت أصرخ وأقولّه: أمي ماتت، لكن نزلني بالعافية، وأول ما نزلت قولت للأهالي الناس في الرعاية بتموت، لكن الضابط اللي كان موجود اتخانق معايا، وقالّي مفيش حاجة حصلت».

الجملة التي قالها نور الدين كانت كافية لتجمهر أهالي المرضى أمام بوابة المستشفى، محاولين الصعود للاطمئنان على ذويهم المعزولين، وهو ما نجح فيه أحمد ممدوح، نجل شقيق إحدى الضحايا، والذي وثّق ما رآه في الفيديو الذي لفت اﻷنظار إلى الواقعة بعد ذلك.

بعد دقائق من وفاة المرضى اﻷربعة، وفي العاشرة مساءً، وصلت سيارة اﻷكسجين، وبدأ ملء التانك، حسبما قال أحمد ممدوح لـ«مدى مصر»، اﻷحد الماضي، وذلك قبل ساعات من قرار نيابة الحسينية بالتحفظ عليه والتحقيق معه، قبل أن تخلي سبيله لاحقًا بعدما تم تسجيل أقواله كشاهد على الواقعة وأحد المجني عليهم، بحسب المحامي سعيد عشماوي.

«حل مشكلة الأكسجين في سرعة توفيره، ولكن الأزمة الحقيقية إننا مش قادرين نوفر رعاية صحية حقيقية للمرضى»، تؤكد ممرضة الحضّانة بمستشفى الحسينية، لافتة إلى أن المستشفى كان مخصصًا لعزل حالات كورونا خلال الموجة اﻷولى من انتشار الفيروس، قبل أن يلغى تخصيصه للعزل في سبتمبر الماضي.

الممرضة، وأكثر من 10 من زميلاتها لم يعملن في المستشفى أثناء تخصيصه للعزل في الموجة اﻷولى، لكن بعد فترة من انضمامهن إليه فوجئن بقرار إعادة تخصيصه كمستشفى عزل، بناءً على قرار الوزارة في 25 ديسمبر الماضي، «لاقينا نفسنا في النار فجأة»، تقول الممرضة.

عملت الممرضة في القسم المخصص لعزل مصابي كورونا، وقبل يومين فقط من واقعة وفاة المرضى اﻷربعة علمت بأنها حامل، فطلبت النقل إلى قسم الحضّانات، في محاولة لتقليل ضغط العمل وفرصة التقاط العدوى، ولكنها فوجئت بأن الضغط وفرص العدوى أكثر في حضّانة اﻷطفال.

تتذكر الممرضة أنه قبل ساعات قليلة مما جرى يوم السبت، وصل إلى حضّانة الأطفال بالمستشفى ثلاثة أطفال حديثي الولادة، أعمارهم 5 و7 و10 شهور، مصابين بكورونا، وطُلب حجزهم في الحضانة لعدم توافر أسرة بالعناية المركزة بقسم العزل، فضلًا عن عدم تجهيز الرعاية بشكل يناسب تواجد الأطفال مع كبار السن في المكان نفسه، ولكن طبيب الحضانة رفض استقبالهم خشية انتقال العدوى لباقي الأطفال المحجوزين، وطالب أهاليهم بالعزل المنزلي لهم ولأطفالهم، «الدكتور عارف، وإحنا عارفين، إن الأطفال هيموتوا خلال ساعات، لكن مفيش فى إيدينا حاجة».

وفيما تشير ممرضة «الحسينية» إلى الضغط الذي يواجهه المستشفى، يؤكد عضو مجلس نقابة الأطباء، كريم مصباح، لـ«مدى مصر» أن الأزمة في تخوف المسؤولين من الاعتراف بوجود ضغط على المنظومة الصحية في الوقت الحالي، وليست في توافر الأكسجين كمستلزم طبي من عدمه.

ويتفق مصباح ومسؤول في مستشفى حميات العباسية على أنه خلافًا للموجة اﻷولى، فإن اﻷزمة ليست في نقص المستلزمات الطبية، وإنما في الزيادة الشديدة في عدد الإصابات من ناحية، وعدم قدرة المستشفيات الحكومية على مواكبة تلك الإصابات، بتوفير أماكن لجميع الأشخاص المحتاجين للرعاية الصحية.

في تفسيره لقرار النيابة بإخلاء سبيل أحمد ممدوح دون توجيه اتهامات، يقول المحامي سعيد عشماوي إن مباحث مركز شرطة الحسينية لم تقتنع باتهامات المحافظ ومدير مديرية الصحة ومدير المستشفى ومسؤولي وزارة الصحة، الذين حصروا «أزمة الحسينية» في تصوير الواقعة، مضيفًا أن المباحث سجلت الواقعة كما رواها أهالي الضحايا والممرضون والأطباء داخل المستشفى، ولم تطلب تحريات الأمن الوطني حول اتهام ممدوح بالانضمام للإخوان من عدمه، «لو حد غير رئيس المباحث الموجود في الحسينية كان مشي على عوم المسؤولين وقالوا عليه إخوان وراح في داهية».

المحامي، الذي كان ضمن عدد كبير من المحامين حضروا مع ممدوح، يشير إلى تقدمه، نيابة عن ثلاثة من أهالي الضحايا، ببلاغ إلى نيابة الحسينية ضد كل من: وزيرة الصحة، ومحافظ الشرقية، وجميع المسؤولين عن مستشفى الحسينية، يطالب بمعاقبتهم بتهمة الإهمال الجسيم، وبتعويض المضارين ماديًا وأدبيًا، فيما تستمر النيابة في التحقيق في الواقعة التي قررت تشكيل لجنة فنية للوقوف على ملابساتها.

أما أحمد ممدوح، والذي تحدث لـ«مدى مصر» مرة ثانية بعد صرفه من النيابة، فأكد أن عدم غلق الحديث عن الإهمال داخل مستشفى الحسينية، واستمرار التحقيق في الواقعة ومحاسبة المخطئ، هو الضامن الوحيد لعدم تكرار الواقعة في مستشفيات أخرى.

خطر تكرار الواقعة يظل، للأسف، قائمًا، فبعد يوم واحد من أزمة الحسينية ناشد مدير مستشفى الحامول، بكفر الشيخ، اﻷهالي، عبر فيسبوك، بالمساعدة في توفير أسطوانات أكسجين خوفًا من نفاد مخزون المستشفى، الذي واجه عطلًا مفاجئًا في محطة التوريد، فيما كان ينتظر وصول سيارة اﻷكسجين. تفاعل اﻷهالي مع المناشدة، وأمدوا المستشفى بالاسطوانات، ووصلت سيارة الدعم، فيما أوقفت وزارة الصحة مدير المستشفى وحولته للتحقيق، قبل أن تتراجع عن قرار الإيقاف تحت ضغط غضب اﻷهالي وتدخل نواب البرلمان.

أما وزيرة الصحة، وبخلاف الخطة التي أعلنتها للرقابة المركزية على اﻷكسجين، وتأكيدها على متابعة توفره في جميع المستشفيات، لم يفتها أن تصدر قرارًا بمنع التصوير داخل المستشفيات، وعدم السماح بوجود هواتف محمولة مع المرضى في قسم الرعاية المركزة.

شاهد أيضاً

ابتزاز المصريين في الخارج بالوثائق الثبوتية

واحد من المطالب البسيطة لمنظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية وغير المكلفة سياسياً للنظام الحاكم في …