أسدل الستار على الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مصر على عدة مراحل من أجل اختيار أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ورغم المشاركة الضعيفة من قبل الناخبين في عملية الاقتراع فإن عددا لا يستهان به ممن شاركوا قرروا عن عمد أو جهل أن تكون أصواتهم كما العدم من خلال إبطال البطاقة الانتخابية.
وبالنظر إلى ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات، نجد أن ملايين المصريين أبطلوا أصواتهم الانتخابية خلال المراحل الأربع للانتخابات البرلمانية التي جرت بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول من العام الحالي.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، هناك 3 ملايين صوت انتخابي باطل بنظامي القوائم والفردي في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 28.06%، بإجمالي حضور نحو 9 ملايين ناخب، وفي المرحلة الثانية وصل عدد الأصوات الباطلة لمليون ونصف صوت من نحو 9 ملايين ناخب شاركوا في العملية الانتخابية.
وعلى نحو مشابه جرت الأمور في انتخابات مجلس الشيوخ التي سبقت النواب، حيث بلغ عدد الناخبين نحو 9 ملايين ناخب بنسبة مشاركة نحو 14% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم نحو 63 مليونا، ووصل عدد الأصوات الباطلة نحو مليون و400 ألف صوت بنسبة تجاوزت 15% من إجمالي المشاركين.
تفوق الصوت الباطل
ولا تبدو ظاهرة ارتفاع نسب الأصوات الباطلة وليدة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فخلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في عامي 2014 و2018 وشهدتا فوز الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لم ترتفع نسب الصوت الباطل فحسب، بل إنه احتل المركز الثاني في نتائج سباق المنافسة في حادثة أثارت الكثير من النقد والسخرية.
ففى انتخابات الرئاسة 2014 سجلت الأصوات الباطلة مليونا و40 ألفا و608 أصوات، لتتفوق على أصوات المرشح المنافس حمدين صباحي، الذي تحصل على 757 ألفا و511 صوتا فقط.
وفي انتخابات عام 2018 حصل المرشح مصطفى موسى على المركز الثالث بنسبة 2.7% من أصوات الناخبين، في حين حصدت الأصوات الباطلة ما نسبته 7.2% من الأصوات.
وفي تفسير تفوق الصوت الباطل، اعتبر المركز الوطني للاستشارات البرلمانية الارتفاع الكبير للأصوات الباطلة ظاهرة لها مدلول غاية في الخطورة، مشيرا إلى أن الأصوات الباطلة في نظام القوائم أعلى من الأصوات الباطلة في الفردي بإجمالي 764 ألف صوت.
وأكد المركز في بيان أصدره بعد انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، أن إبطال الصوت جرى بشكل متعمد، معددا أسباب ما سماه بالتصويت العقابي، وهو عدم اقتناع الناخب بالمرشح وعدم اهتمامه بالعملية الانتخابية في مجملها، إلى جانب الخوف من تكرار تجربة الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات 2010 في أواخر عهد الرئيس الراحل حسني مبارك قبل أن تطيح به ثورة يناير 2011.
ورأى المركز أن الأصوات الباطلة قد تكون نتاج خوض مرشحين المنافسة في دوائر انتخابية لا ينتمون لها، فضلا عن الأثر العكسي للمحفزات المالية حيث استخدم بعض المرشحين المال من أجل الحشد التصويتي.
وتابع المركز الوطني للاستشارات البرلمانية في بيانه “الناخب لديه من الوعي أن يلفظ هذه المحفزات المالية، بأن يصوت عكس هذه المحفزات، ويعطي الصوت للمرشح الآخر، كنوع من العقاب على الاستهانة به”.
رسائل الأصوات الباطلة
وفي مقال له حمل عنوان “رسائل الأصوات الباطلة” رأى الكاتب الصحفي، سيد علي، وهو أحد الإعلاميين المقربين من السلطة، أن الأصوات الباطلة قد تبدو مفزعة من حيث الشكل، ولكنها ربما تكون مرحلة متقدمة من الوعي السياسي لما سماه “المعارضة المؤيدة للدولة”.
واستخلص علي من رسائل الأصوات الباطلة أن هناك من يحتج تصويتا داخل الصندوق الانتخابي، مستحسنا ذلك الاحتجاج قائلا “هذا صوت احتجاجي متفاعل تصويتا ولا يذهب إلى مكايدات سياسية أو عمليات تحتية أو متورط في عمليات مشبوهة؛ أي أن الصوت الباطل لا يقلق من يعقل ويفهم المغزى ويتوفر على تحليل أسباب تنامي الظاهرة”.
واعتبر الكاتب الصحفي أن الصوت الباطل صوت إيجابي يتحرك في إطار شرعية سياسية قائمة يعتقدها، لم يرفض العملية الانتخابية بالكلية، لكنه “عبر عن رأيه بإبطال صوته لإيصال صوته” حسب تعبيره.
واستطرد “احترام هذا الصوت واجب ويستوجب الوقوف أمامه تحليلا، حتى لا نفقده تماما في الانتخابات المقبلة، لأن الأصوات الانتخابية الباطلة حملت رسالة من قطاع غير راضٍ عن بعض الأوضاع، ولكنهم متمسكون بدعم الدولة”.
وبعيدا عن دافع الاحتجاج هناك سبب آخر للصوت الباطل أشار إليه علي، وهو المتعلق بعدم معرفة الناخب الطريقة الصحيحة للانتخاب وهو ما ينتج عنه بطلان الصوت.
احتجاج عملي
مع ارتفاع الأصوات المنددة بانحرافات شهدتها الانتخابات البرلمانية كالرشى الانتخابية وتسويد البطاقات وغياب وجه المعارضة، بدت ظاهرة ارتفاع الأصوات الباطلة كاحتجاج من قبل الناخبين على كل انحراف شاب عملية الاقتراع.
فمن وجهة نظره رأى النائب البرلماني السابق، الدكتور عز الدين الكومي، أن الأصوات الباطلة عبارة عن تصويت عقابي من قبل الناخبين ضد انتخابات أدارها جهاز الأمن الوطني، حسب وصفه.
وأضاف للجزيرة نت أن هناك فريقا من الناخبين مغلوب على أمره، حيث تم تهديده بالحبس أو الغرامة بعد مقاطعته لانتخابات الشيوخ، فعاقب النظام في انتخابات مجلس النواب بإبطال صوته.
أما الفريق الثاني فشارك في الانتخابات من أجل الحصول على الرشوة الانتخابية، وبالتالي فالأمور لا تشكل فرقا بالنسبة له، سواء صوت للمرشح الذي حصل منه على المال أم لم يصوت.
والفريق الثالث -والحديث للكومي- فتم جلبه إلى لجان التصويت بالسيارات، وغالبا لم يكن عارفا بالنظام الانتخابي، ما نتج عنه بطلان صوته عن طريق الخطأ.
واعتبر أن ضعف الإقبال مع الأصوات الباطلة وتسويد البطاقات والرشى الانتخابية ظواهر تدل على فساد العملية الانتخابية برمتها، ويفتح بابا كبيرا للتشكيك في صحة نتائج هذه الانتخابات، إلى جانب كونها رسالة رفض شعبي مبطن للنظام الحالي.
واختتم حديثه قائلا “لو حدث استفتاء حقيقي على شرعية هذا النظام فسيأتي النظام في المركز الثاني بعد الأصوات الباطلة”.
أكذوبة النظام
غير أن رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، مصطفى خضري، يذهب إلى أبعد من انتقاد ظاهرة الأصوات الباطلة لنفيها واعتبارها أكذوبة من صنع النظام لإيهام الشعب بأن هناك مشاركة كثيفة في الانتخابات.
وأوضح للجزيرة نت أن حجم المشاركة الفعلية حسب تقديرات المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام -وبعد كل ألوان الحشد والترهيب والترغيب التي استخدمها النظام- لم يزد على 4 ملايين مشارك في جميع مراحل العملية الانتخابية.
واستطرد خضري “إعلان النظام لهذا الحجم الهائل من الأصوات الباطلة كان مقصودا؛ لتتحدث وسائل الإعلام عنها وكأنها حقيقة، وبذلك يعترف الإعلام ضمنيا بحجم المشاركة الوهمية التي أعلنها النظام”، موضحا أن السلطة لا يهمها حجم الأصوات الصحيحة أو الباطلة بقدر ما تسعى لإقرار الجميع بالإقبال على الانتخابات وما يترتب على ذلك من استقرار شرعية النظام.
وعلى ذلك، لا توجد دلالات لظاهرة ارتفاع الأصوات الباطلة، وفق رأي الباحث في مجال الرأي العام، مشيرا إلى غياب العمل السياسي في مصر.
وتابع “كل ما هناك أن السيسي يستكمل بالانتخابات البرلمانية النظام الدستوري والقانوني لنظامه بالمؤسسات التشريعية التي تعمل لحمايته من أي ظروف طارئة، يترتب عليها مساءلة قانونية له عن قراراته التي سببت خسارة مصر لأرضها وثرواتها وحدودها وحصتها الإستراتيجية من ماء النيل”.