لفتت التظاهرات الأخيرة التي اندلعت في القاهرة والعديد من المدن في 20 أيلول/سبتمبر الماضي، انتباه المسؤولين المصريّين إلى غياب دور المجالس المحلية، وأهمّيّة إجراء انتخابات محلّيّة، حيث أوضح رئيس البرلمان علي عبد العال، خلال الجلسة الافتتاحيّة لدورة الانعقاد الخامس للبرلمان الحاليّ، في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، أنّ المجالس المحلّيّة غائبة، وأنّه حان الوقت لإجراء انتخاباتها.
وأمام تزايد الغضب المتصاعد الذي ترجم إلى تظاهرات لمئات الأشخاص في بعض المدن في 20 أيلول/سبتمبر جاءت استجابة إلى دعوات أطلقها رجل الأعمال المصريّ محمّد علي، بعد اتّهامات إلى الرئيس عبد الفتّاح السيسي وأسرته وقيادات في الجيش بفساد ماليّ، وعد برلمانيّون مصريّون بحدوث انفراج سياسيّ وإجراء إصلاحات تمسّ المواطنين، من بينها إجراء انتخابات محلّيّة، هي الأولى من نوعها منذ انتخابات 2008، يمكنها أن “تستوعب الشباب”، بحسب عبد العال. كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 29 سبتمبر إعادة 1,8 مليون مواطن على بطاقات التموين.
بينما يتم تعيين موظفي المحليات بواسطة الدولة، فإن المجالس المحلية يتم انتخابها بواسطة أهالي الأحياء في مصر، من أجل رقابة أداء المحليات.
وأوضح عضو لجنة الإدارة المحلّيّة في البرلمان محمّد صلاح أبو هميلة لـ”المونيتور” أنّ مشروع قانون الإدارة المحلّيّة (المحلّيّات) سوف تتمّ مناقشته خلال الـ60 يوماً المقبلة، مشيراً إلى أنّه بمجرّد تبنّي القانون، سوف يتمّ تحديد موعد الانتخابات المحلّيّة التي تسمح بتشكيل مجالس يمكنها أن تراقب عمل المحلّيّات، مرجّحاً أن تكون هذه الانتخابات خلال الأشهر الأولى من العام الجديد 2020.
يلفت أبو هميلة إلى أنّ هناك اعتقاداً لدى البرلمان والحكومة أنّ غياب الخدمات وضعف أداء المحلّيّات وتعنّتها لعبت دوراً غير مباشر في زيادة السخط، مشيراً إلى أنّ هناك اتّجاهاً لإعادة النظر بسلسلة من السياسات أهمّها التوجّه إلى انتخابات محلية “كون المجالس المحلية هي نقطة الاتّصال الأولى بين الدولة والمواطنين”، موضحاً أنّ الاستياء من أداء هذه المحلّيّات يترجمه البعض كاستياء من أداء الدولة نفسها.
وبيّن أبو هميلة أنّ لجنته انتهت من مناقشة مشروع هذا القانون في أبريل 2017، ورفعته إلى الأمانة العامّة للبرلمان من أجل مناقشته، موضحاً أنّ لجنته لم تتلقّ أيّ مقترحات إجراء تعديلات على مشروع القانون من الحكومة أو من البرلمان.
وبحسب مشروع القانون، يبلغ عدد أعضاء المجالس المحلية المنتظرة 8 أعضاء في القرى لكل مجلس، و8 أعضاء عن كل حي في المدن الرئيسية.
ويمكن لهذه المجالس المنتخبة كل أربعة سنوات، بحسب مشروع القانون، مراجعة موازنة المحليات وطرق انفاقها، وكذلك تقديم طلبات إحاطة واستجوابات ضد المحافظين ورؤوساء المحليات والموظفين، لمحاسبتهم في اختصاصاتهم، كما يمكنهم سحب الثقة من هذه الشخصيات بعد ثبوت مسؤوليتهم في الاتهامات الموجهة إليهم، بالتصويت بأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء المجلس المحلي. ويمكن للمجالس المحلية أيضا تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ضد مسؤولين فاسدين في المحافظة أو المحليات، تسمح بتقديمهم لجهات التحقيق.
“لم تكن الانتخابات المحلّيّة على خريطة عمل النظام الحاليّ، إذ كان يتمّ النظر إليها على أنّها غير مهمّة”، هذا ما يوضحه أستاذ العلوم السياسية والاجتماعيّة في جامعة حلوان عمّار علي حسن لـ”المونيتور”، مضيفاً: “الدولة أدركت أنّ هذه الانتخابات باتت ملحّة حاليّاً، بعد التظاهرات الأخيرة التي عكست وجود فجوة بين الدولة والمواطنين، وعدم قيام المحلّيّات بدورها في شكل فعّال”.
وبحسب عمار علي حسن، فإن الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر منذ 2011، دفعت السلطات المتعاقبة إلى تأجيل عقد انتخابات محلية، لكن مع مجيء السلطة الحالية، بدأ الحديث عن إجراء هذه الانتخابات بعد تشكيل البرلمان في 2015، مع وعود بإجراءها كل عام، لكن لم يحدث تقدم يذكر.
المحلّيّات تتحوّل إلى بعبع للمواطنين
في حيّ الهرم في جنوب الجيزة، يكفي أن تتردّد الأخبار عن بدء دوريّة المحلّيّات الملقّبة بـ”البلديّة”، حتّى يتحوّل الشارع إلى خليّة نحل ومكان للفرار، حيث يسارع أصحاب المقاهي إلى غلق أبوابها، بينما يسارع الباعة الجائلون بجمع ما يمكن إنقاذه من بضاعتهم قبل أن تصل البلديّة، والهروب في الشوارع الجانبيّة في أسرع وقت. فقد تحوّلت البلديّة إلى عامل رعب كبير للمواطنين وأصحاب الأعمال في المناطق الشعبيّة والمتوسّطة.
حين سؤاله عن البلديّة في الحيّ، ينقلب وجه محمود السيّد، وهو مدير مقهى شعبيّ في الهرم، إلى اللون الأحمر، مردّداً بلهجة مصرية: “افتكر لنا سيرة حلوة!”.
يوضح محمود لـ”المونيتور” أنّه عقد اتّفاقاً مع موظّف في إدارة الإشغالات في البلديّة، وفقاً له، يشتري له علبة سجائر يوميّا بقيمة 35 جنيهاً، إضافة إلى مشروبات مجّانيّة، مقابل إخطاره بأيّ حملة للبلديّة قبل انطلاقها. وعلى الرغم من ذلك، ففي كثير من الأحيان، لا يتمّ إبلاغه بهذه الحملات، وتأتي البلديّة وتصادر جزءاً من أثاث المقهى تحت ذريعة استغلال الشارع في الأعمال وتعطيل الحركة المرورية.
يبيّن مسؤول في المحلّيّات في الجيزة لـ”المونيتور” أنّ المواطنين يشعرون بالاستياء والكره تجاه موظّفي البلديّة، بسبب الغرامات الكثيرة واضطرارهم المستمرّ إلى دفع رشاوى لتسيير أيّ أعمال أو الحصول على تراخيص، من أجل البناء أو للحصول على مياه وكهرباء لمنازلهم الجديدة، وكذلك تراخيص لفتح محلات أو مطاعم.
يتابع المسؤول، الذي طالب بعدم ذكر اسمه لعدم التعرّض إلى مسؤوليّة قانونيّة، أنّ فساد موظّفي البلديّة يزيد من سوء الأوضاع في الأحياء والضغط على البنية التحتيّة، فمثلاً، يحصل موظّف الحيّ على رشاوى مقابل السماح ببناء طوابق إضافيّة في المباني ومخالفة المخطّطات الهندسيّة، وبالتالي تصبح الطوابق الإضافيّة عرفاً جديداً لا يمكن مقاومته، الأمر الذي يزيد من الضغط على الموارد المصمّمة لاستيعاب عدد سكّان أقلّ وطوابق أقلّ، مثل المياه والصرف الصحي والتعامل مع القمامة.
يشير المسؤول إلى أنّ الأزمة تكمن في غياب الرقابة، إذ كيف يمكن لموظّف في الحيّ أن يتقاضى في المتوسّط 1700 جنيه كراتب شهريّ، ويمتلك سيّارة يذهب فيها إلى العمل تتعدّى قيمتها النصف مليون جنيه، والتي بالتأكيد جلبها عن طريق رشاوى، موضحاً أنّ هناك موظّفين في البلديّة يدفعون أموالاً إلى رؤسائهم من أجل تعيينهم في إدارات مثل البناء والإشغالات، والتي يمكن من خلالها الحصول على الكثير من الرشاوى.
هناك مشكلة أخرى في عمل البلديّة تظهر في التعيينات، بحسب هذا المسؤول، موضحاً أنّ السلطات تعيّن في الغالب لواءات جيش متقاعدين، كرؤساء للبلديّات، وهم لا يفهمون كيفيّة إدارة هذه السلطات المدنيّة، لافتاً إلى أنّ الدولة تعيّن أيضاً اوائل الجامعات في الأحياء، على الرغم من عدم اختصاصهم. “في أحد أحياء الجيزة، على سبيل المثال، المسؤول عن معاينة التخطيط الهندسيّ للمباني الجديدة في الحيّ هو خرّيج كلّيّة زراعة”، يوضح المسؤول متهكّماً.
يشير المسؤول إلى أنّ الدولة أيضاً لا تقدّم مرتّبات جيّدة إلى موظّفي الأحياء، موضحاً أنّ راتب الغالبيّة العظمى من الموظّفين يتراوح بين 1500 و2000 جنيه، وهي مرتّبات غير كافية للمعيشة. “الدولة تدفع موظّفي المحلّيّات إلى أن يكونوا فاسدين”، يضيف هذا المسؤول.
لا ينفي النائب أبو هليمة الفساد المستشري في المحلّيّات في مصر، معلّلاً ذلك بغياب الرقابة عليها منذ أكثر من 10 أعوام.
وفي 31 تمّوز/يوليو الماضي، كرّر الرئيس عبد الفتّاح السيسي، خلال مؤتمر الشباب، اتّهامه المحلّيّات بالفساد وبغياب دورها، ولا سيّما بالسماح بالتعدّيات على الأراضي الزراعيّة.
“المحلّيّات تزيد الوضع سوءاً في الأحياء، بدلاً من تنظيمه”، يوضح من جانبه أحمد جمعة محجوب (41 عاماً) لـ “المونيتور”، وهو ينوي الترشّح إلى انتخابات المحلّيّات المنتظرة للرقابة على موظّفي الأحياء. على صفحته على “فيسبوك”، ينشر محجوب استغاثات لمواطنين ضدّ بلديّة الهرم، وكذلك تلكّؤ هؤلاء الموظّفين في معالجة مشاكل الحيّ.