أعلن وزير الموارد المائيّة والريّ محمّد عبد العاطي في بيان صحافيّ بـ24 تمّوز/يوليو التوصّل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبيّ لتمويل مشروع تطوير الريّ وتحسين منظومة إدارة المياه في مصر، وهو التحرّك الذي تسعى من خلاله الحكومة المصريّة إلى توسيع دائرة التعاون مع الشركاء الدوليّين لمواجهة المخاطر التي تهدّد الأمن المائيّ المصريّ.
وتعاني مصر من ندرة المياه، إذ بلغ العجز المائيّ 20 مليار متر مكعّب من المياه سنويّاً، وتحاول الحكومة التغلّب على مواجهة الحاجات المتزايدة للموارد المائيّة بتنفيذ خطّة عاجلة لمدّة 3 سنوات حتّى عام 2021، تتضمّن إجراءات تشمل رفع كفاءة استخدام المياه وإعادة استخدام مياه الصرف المعالج والتوسّع في تحلية المياه بالمدن الساحليّة، والحدّ من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه كالأرزّ.
وأوضحت رئيسة قطاع التخطيط في وزارة الموارد المائيّة والريّ إيمان السيّد خلال حديث مع “المونيتور” أنّ “الخطّة العاجلة التي تنفّذها الحكومة الآن مع وزارات الإسكان والزراعة والمحليّات تستهدف التعامل السريع مع الوضع المائيّ المتدهور، وذلك في إطار الخطّة القوميّة للموارد المائيّة حتّى عام 2037″، وقالت: “لمواجهة الوضع المائيّ المتدهور تتعاون وزارة الريّ مع الاتحاد الأوروبيّ في مشاريع عدّة، كان أهمّها مشروعالخطّة القوميّة للموارد المائيّة 2037، فضلاً عن مشاريع استخدام نظم الريّ الحديثة ومعالجة المياه في المصارف”.
أضافت: “إنّ الاتحاد الأوروبيّ يضع المياه في أولويّة مشاريع التعاون مع الحكومة المصريّة، بسبب الوضع المائيّ الحرج في مصر والصدى الكبير لقضايا المياه في المجتمع الدوليّ، بحيث أنّ البرامج بغالبيّتها تذهب إلى قطاعات مياه الشرب والصرف الصحيّ”.
وعن برامج دعم الاتحاد الأوروبيّ لملف المياه في مصر، قالت نائب سفير الإتحاد الأوروبيّ في مصر ساندرا دي وايلي خلال حديث مع “المونيتور”: “إنّ الندرة المائيّة التي تعاني منها مصر هي تحدّ يتطلّب تحرّكاً سريعاً لترشيد الاستهلاك وتطوير نظم حديثة للريّ وتقليل الفواقد. ثمّ كان الاتحاد الأوروبيّ من بين شركاء التنمية الأوائل لمساعدة مصر في دعم الإدارة المستدامة للمياه من خلال الحوار السياسيّ والتعاون عن قرب مع كلّ القطاعات المختصّة بإدارة المياه في وزارات الريّ والإسكان والتنمية المحليّة والاستثمار والتعاون الدوليّ، فضلاً عن منظّمات المجتمع المدنيّ التي تعمل في مجال المياه ومراكز الأبحاث والمعاهد البحثيّة والجامعات”.
وأوضحت أنّ “التعاون بين الاتحاد الأوروبيّ ومصر في قطاع المياه يتضمّن برامج تغطّي 12 محافظة مصريّة، تستهدف في مجملها تحسين نوعيّة الحياة لما يقرب من 11.5 مليون نسمة في هذه المحافظات، وهو ما يعادل ثلث السكّان 1/3 في هذه المحافظات”، وقالت: “إنّ دعم الاتحاد الأوروبيّ لتطوير نظم إدارة المياه من خلال برنامج المساعدة الفنيّة والدعم الإصلاحيّ لقطاع المياه، هو أبرز مشاريع التعاون مع وزارة الموارد المائيّة، حيث تمّ تخصيص منحة تقدّر بـ4.3 مليون يورو لتمويل تنفيذ المشروع خلال 30 شهراً”.
ويستهدف المشروع حسب بيان خاص لـ”المونيتور” من بعثة الاتحاد الأوروبيّ في القاهرة، مساعدة وزارة الموارد المائيّة والريّ في تحقيق أهداف الأمن المائيّ المحدّدة في خطّة التنمية المستدامة 2030 والخطّة القوميّة للموارد المائيّة والريّ 2037، وبناء قدرات العاملين على المستويين المركزيّ والمحليّ لدعمهم في إدارة البنية الأساسيّة لنظم المياه وتشغيلها، آخذاً في الاعتبار الموقف المتدهور والندرة المائيّة.
ويتكوّن البرنامج من 5 مكوّنات تشمل دعم البيئة المؤسسيّة والماليّة من خلال صياغة أطر قانونيّة، وتحديث أطر إدارة المياه من خلال إنشاء وحدة محاسبة المياه WAUوالتي ستكون مسؤولة عن تشغيل الأنظمة المتعلّقة باتّخاذ القرار وصيانتها وتعزيز نظم مراقبة كميّات المياه ونوعيّتها ونظم التقييم داخل وزارة الموارد المائيّة والريّ، فضلاً عن مساعدة وزارة الريّ في تطوير خطط الاتصال والمعلومات لرفع الوعي الجماهيريّ، إذ سيتمّ إطلاق عدد من الحملات لزيادة الوعي،إضافة إلى إعداد دراسات فنيّة للإدارة المتكاملة للموارد المائيّة، من خلال رفع كفاءة استخدام المياه وتقليل فواقدها، وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة وحماية الصحّة العامّة والبيئة.
ورأى المتخصّصون بملف المياه في مصر أنّ الحكومة المصريّة أدركت حجم الخطورة من جرّاء الندرة المائيّة، ليس فقط بسبب التحدّيات الداخليّة واتّساع الفجوة بين الموارد المتاحة والحاجات المتزايدة مع الزيادة السكانيّة، ولكن في ظلّ المخاطر الخارجيّة التي تهدّد حصص مصر التاريخيّة من مياه النيل والمقدّرة بـ55.5 مليار متر مكعّب سنويّاً بسبب إنشاء سدّ النهضة الإثيوبيّ.
وقال خبير الموارد المائيّة والأستاذ في كليّة الهندسة بجامعة “عين شمس” علي البحراوي خلال حديث مع “المونيتور”: “إنّ مشكلة المياه في مصر أخذت منحى مختلفاً بعد إنشاء سدّ النهضة الإثيوبيّ، إذ زادت معدّلات الخطر في ما يتعلّق بالندرة المائيّة”.
أضاف: “إنّ الحكومة بدأت بالتفكير في محاور جديدة لم تكن مطروحة من قبل للتعامل مع الندرة المائيّة وترشيد الاستهلاك وتقليل الفواقد من المياه من خلال خطط محكمة لتحديد أولويّات استخدامات المياه، وفقاً لحاجات القطاعات المختلفة، بدءاً من الحاجات السكانيّة والصناعيّة، ثمّ الزراعيّة، من أجل تحقيق الاستقرار والأمن المائيّ”.
ورأى علي البحراوي أنّ “أهميّة المشاركة والدعم الأوروبيّ للبرامج التي تتبنّاها الحكومة ليست فقط لتوفير التمويل الماليّ، ولكن لتوفير الخبرات والمساعدة في التقييم للتأكّد من فعاليّة تطبيق البرامج المختلفة، وفقاً لخبرات الشركات الاستشاريّة الأوروبيّة وخبرات تطبيق برامج مماثلة في دول تعاني من وضع مصر المائيّ نفسه”.
ويبقى تدهور الوضع المائيّ في مصر على رأس التحدّيات التي تواجه الحكومة المصريّة، وهو ما دفع بالقاهرة إلى فتح كلّ أبواب التعاون مع الشركاء الدوليّين طلباً للمساعدة وتبنّي الخبرات الدوليّة من أجل التوصّل إلى حلول جديدة قد تساهم في حماية الأمن المائيّ.