أصيب فرح حامد، وهو لاجئ سوداني من مقاطعة دارفور التى مزقتها الحرب، بفزع شديد عندما سمع طرقات عنيفة على باب شقته فى القاهرة فى يوليو الماضى. من شدة خوفه لم يفتح الباب، بل إكتفى بالنظر من خلال ثقب الباب لمعرفة من الطارق. وقال أنه رأى حينها رجل من جهاز الأمن والمخابرات السوداني كان قد قام باعتقاله وتعذيبه في السودان عام 2010. عندها إبتعد حامد عن الباب وطلب من ابنه التزام الهدوء ومن ثم انتظر بصمت رحيل الرجل.
وقال حامد البالغ من العمر 47 عامًا وقد ارتخت التجاعيد على أطراف عينيه: “كنت قد لمحت الرجل الذي قام بتعذيبي في أحد أسواق القاهرة عامًا قبل أن يطرق بابي. حينها، اقترب مني الرجل وقال لي: “حتى لو مُتّ في مصر، سأسحب جثتك من الأرض وأقتلك مرة أخرى””.
وقد أثنى الخوف من جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني آلاف اللاجئين السودانيين في مصر من العودة إلى قراهم في دارفور. غير أن الأمم المتحدة كانت قد سهلّت العودة الطوعية لمواطنين سودانيين يعيشون في أماكن أخرى في أفريقيا في الأسابيع الأخيرة.
وحتى تاريخ 7 كانون الثاني / يناير، تم تسجيل عودة 1،494 مواطن سوداني إلى جنوب دارفور، مما أنهى 10 سنوات من اللجوء في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي تشرين الأول / أكتوبر، زار وفد معسكر اللاجئين السودانيين بدولة تشاد دارفور لتقييم احتمالات العودة. أما في مصر، فيُصر ممثلوا اللاجئين على أنه سيتم القبض على السودانيين اللاجئين إلى مصر أو قتلهم عند عودتهم ويؤكدون أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني يهدد النشطاء السياسيين ومن قاموا بتغيير ديانتهم في المنفى.
ويعتقد حامد أن الجهاز يلاحقه كونه إعتنق الديانة المسيحية. ولكن في السودان، اتهمته السلطات أيضًا بدعم اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﺴﻮدان/ ﻓﺮع اﻟﺸﻤﺎل التي يشن المنتمون إليها تمردًا في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. وبهدف إحتواء هذا التمرد، قامت الحكومة السودانية بتعزيز قدرات قواتها الأمنية ومنحتهم حصانة للإفلات من العقاب تُشجعهم على ارتكاب انتهاكات مروعة.
في هذا السياق، أشار أشرف ميلاد، المحامي المتخصص في طلب اللجوء والذي عمل مع اللاجئين السودانيين لأكثر من 20 عامًا إلى أن جهاز الأمن والمخابرات السوداني قد يلاحق السودانيين الذين إعتنقوا الديانة المسيحية لإجبارهم على العمل كجواسيس لصالحه. من ناحية أخرى، أوضح ميلاد أن الحكومة تركز إهتمامها وجهودها على إلقاء القبض على المعارضين السياسيين البارزين. وفي عام 2008، سلّمت الحكومة السودانية مصر والإمارات العربية المتحدة قائمة بأسماء الأشخاص المطلوبين في السودان.
وتابع ميلاد لـ “المونيتور”: “أعتقد أن هناك اتفاقات أمنية سرية بين مصر والسودان. عندما كنت أعمل في دارفور، أكّد لي جميع الضابط في جهاز الأمن والمخبارات السوداني الذين تحدثت إليهم إنهم تلقوا ستة أشهر من التدريب في أكاديمية الشرطة المصرية”.
من جهته قال متحدث رسمي باسم وزارة الداخلية المصرية طلب عدم الكشف عن اسمه لـ “المونيتور”: “هناك اتفاقات أمنية بين القاهرة والخرطوم، إلا أن السلطات تلتزم الشفافية بشأنها.”
وتُشكك جماعات حقوق الإنسان في أن السلطات المصرية لا تزال تساعد الخرطوم على مطاردة الأشخاص المطلوبين. في هذا الإطار، أشار محمد أحمد، وهو باحث في منظمة العفو الدولية يستخدم اسمًا مستعارًا لحماية هويته إلى إحتجاز مئات من اللاجئين في أبريل / نيسان 2017 في معسكر عسكري في مدينة الغردقة التي تقع على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر. لم يكن سبب احتجازهم واضحًا، لكن 180 شخص على الأقل من الذين تم توقيفهم كانوا من السودانيين وقد تم ترحيل بعضهم.
وأكّد أحمد لـ “المونيتور” إعتقال تسعة ناشطين سودانيين من شبكة جبال النوبة الدولية، وهي منظمة تأسست عام 1998 في القاهرة لمناصرة شعب النوبة السوداني، واستجوابهم في يوليو / تموز 2017. ولم ترد أخبار عن مكان وجودهم منذ ذلك الحين .
وأضاف أحمد عبر الهاتف: “تم اعتقال [نشطاء النوبة] بسبب نشاطهم في السودان وليس في مصر. وقد سئلوا عن علاقاتهم وتمويلهم وهُددوا بالاعتقال والترحيل”.
من جهته، أكّد المتحدث باسم وزارة الداخلية أنه لا يملك أي معلومات عن مصير نشطاء النوبة أو الذين يُزعم أنهم محتجزون فى الغردقة.
وقال لـ “المونيتور”: ” لا تُرحّل السلطات المصرية سوى الأشخاص الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني. أما بالنسبة لأي مهاجرين يتم القبض عليهم، فيتم وضعهم في أحد المرافق المخصصة للمهاجرين في مصر”.
وعلى الرغم من الخوف من السلطات المصرية، يقول اللاجئون السودانيون أن عملاء المخابرات السودانية يشكلون تهديدًا أكبر لأمنهم. ويزعم فؤاد مارسيل، الناشط السياسي الذي كتب العديد من المقالات التي انتقدت اضطهاد الحكومة السودانية للأقليات باسم الإسلام، أن جهاز المخابرات السوداني حاول اختطافه وزوجته وطفله الرضيع في مصر في أغسطس 2016 – بعد عام واحد فقط من فرار العائلة من السودان.
ويخبر مارسيل أنه فيما كانت العائلة عائدة من مطار القاهرة بعد توديع أحد الأقارب الذي مُنح إعادة التوطين في الولايات المتحدة وعند ركوبهم سيارة أجرة للتوجه إلى المنزل سرعان ما أقفل السائق الأبواب والنوافذ وبدأ بتلقي الأوامر من رجل سوداني كان يقود سيارة أمامهم.
وتابع مارسيل لـ “المونيتور” في شقته الصغيرة المكونة من غرفة نوم واحدة: “كان طفلنا يبلغ من العمر أسبوعٌا واحدًا فقط، وتؤكد زوجتي إنه كان يصرخ في ذلك الحين. لحسن الحظ لمح سائق سيارة الأجرة نقطة تفتيش أمامه فترجل من السيارة وسط زحمة السير قبل وصول الشرطة”.
على الرغم من الذعر الذي أصاب العائلة، لم يتراجع مارسيل عن نضاله. وقد نشر العديد من المقالات على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك العام الماضي والتي انتقد فيها تعاليم الإسلام والحكومة السودانية. وبحلول يونيو / حزيران، بدأ يتلقى تهديدات هاتفية من أرقام غير معروفة، تصفه أنه كافر وتحذّره بالتوقف عن الكتابة.
غير آبه بمحاولات ترهيبه، صرّح أنه يعمل على مجموعة جديدة من المقالات. ويُدون مارسيل أفكاره في دفتر خاص خلال نوبات عمله في الليل في مصنع للبلاط في القاهرة. أما زوجته فهي تدعم طموحه ولكن بعد ولادة طفلهما بدأت تحثّه على توخي الحذر أكثر وفي بعض الأحيان، تذكّره أنهم لن يكونوا آمننين في مصر طالما أن الحكومة السودانية في السلطة.
ويقول مارسيل: ” تعرف زوجتي أنني بحاجة إلى الكتابة، فهذا واجبي.” ويضيف وهو يحمل طفله في حضنه: “لكنني وعدتها أيضا أنني لن أتسبب أبدا بأي أذى لإبننا”.