في السادس من أكتوبر (تشرين الأوّل)، وفي ذكرى النصر، جلس القائد الأعلى للجيش المصري، يشاهد عرضًا عسكريًا، تحلق الطائرات في السماء في حركات بهلوانية تدل على السيطرة والمهارة، وعلى الأرض تستعرض القوات المختلفة مُعدّاتها.
وفي لحظة ما قرر ضابط في الجيش المصري أن تكون تلك اللحظة هي نهاية العرض، ونهاية حياة الرئيس المصري. تقدّم الشاب نحيف الجسد إلى «المنصة»؛ حيث يجلس الرئيس بين نائبه ووزير دفاعه، مُطلقًا دفعة من الطلقات أنهت حياة الرئيس «محمد أنور السادات».
ولم يكن مقتل السادات وحده سبب الصدمة في الشارع المصري؛ فالجديد كان تورط ضباطٍ من الجيش في عملية الاغتيال، التي كانت بداية سلسلة من حلقات الجماعات المسلحة «المتشددة»، التي تواجه الأنظمة، تحت قيادة ضباط سابقين.
في ظل تعدد وسائل الإعلام وتطور الاتصالات، أصبح من الصعب إخفاء انضمام ضباط مصريين لتشكيلات مسلحة تعمل ضد النظام، وكان ضروريًا أن تعلن جهات التحقيق عن مجموعات من الضباط، خططت لاغتيال الرئيس المصري الحالى «عبد الفتاح السيسي».
«الجهاد الكبرى» تفجر الأوضاع
302 متهم في قضية اغتيال السادات، أو ما عرف بعد ذلك بـ«قضية الجهاد الكبرى». وتركزت الاتهامات الرئيسة لضباطٍ عاملين في الجيش المصري، على رأسهم الملازم أول «خالد الإسلامبولي»، والرقيب متطوع «حسين عباس»، أحد أبرز القناصة في الجيش المصري وقتها، وملازم أول مهندس احتياط «عطا طايل»، والضابط السابق في الجيش المصري «عبد الحميد عبد السلام»، وقد حُكم على الأربعة بالإعدام شنقًا، مع تقديم ضباط آخرين للمحاكمة، من بينهم مقدم المخابرات الحربية «عبود الزمر»، والرائد «عصام القمري» (مدرعات في كلية القادة والأركان)، وآخرون.
قضية السادات كانت من أبرز القضايا التي تتعلق بتورط ضباط من الجيش المصري، ليس فقط بعمل مسلح عادي، ولكنه قتل مباشر لأعلى سلطة تنفيذية وعسكرية في البلاد.
وإن حادثة اغتيال السادات هي الأبرز خلال السبعينات، إلا أن هناك حادثًا آخر هام، وهو اغتيال وزير الأوقاف المصري عام 1977، «محمد حسين الذهبي»، كان أحد المتهمين في قتله ضابط شرطة سابق يدعى أحمد طارق عبدالعلىم، وكان متهمًا في القضية لانضمامه لتنظيم «التكفير والهجرة» تحت قيادة «شكري مصطفى»، وحُكم عليه بالإعدام.
مدحت الطحاوي ومحاولة اغتيال مبارك
في عام 1993 كانت هناك محاولة لاغتيال الرئيس المصري المخلوع «محمد حسني مبارك»، ووفقًا للواء طيار «زكي عكاشة»، فإن أحد ضباط المخابرات، ويُدعى «مدحت الطحاوي»، كان ضالعًا في محاولة الاغتيال هذه.
وقال عكاشة في تصريحات صحافية: إن «الواقعة جرت بعد تجنيد الطحاوي، والذي كان يعمل في مطار سيدي براني في محافظة مطروح، وكان مبارك يستخدم المطار للسفر برًا إلى ليبيا، لزيارة الرئيس الليبي معمر القذافي خلال فترة حظر الطيران إلى ليبيا، وكانت الخطة تلغيم المسافة التي يمشيها مبارك في هبوط طائرته لاستقلال سيارته والعكس».
وبحسب اللواء طيار المتقاعد، فلقد كانت لدى المخابرات الحربية شكوك حول الضابط الطحاوي، إلا أن الأمر لم يُثبت عليه إلا بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري الأسبق «عاطف صدقي»، إذ حين اُلقي القبض على المجموعة التي حاولت اغتياله، اعترفت على الطحاوي، وأُلقي القبض عليه.
ضباط سابقون في الخارج
خلال الحرب الروسية في أفغانستان، سافر العديد من الضباط المصريين للحرب، وظل بعضهم إلى أن أصبح من قيادات تنظيم القاعدة، من بين هؤلاء هناك، محمد عاطف، ضابط شرطة مصري سابق، يُكنّى بـ«أبي حفص المصري»، كان أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة، ويقال إنه كان الرجل الثالث، قبل أن يُقتل في العاصمة الأفغانية كابل، خلال عملية عسكرية أمريكية. ويُتّهم عاطف بالضلوع في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1999، كما أنه من أبرز المشتبه بهم في تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
عبدالعزيز الجمل ضابط جيش مصري، كان متهمًا في قضية اغتيال السادات، وأُلقي القبض عليه، وحكم له بالبراءة، لكنه استطاع الهرب من مصر وصولًا إلى أفغانستان، وهناك انضم إلى تنظيم القاعدة، واستمر في العمل لصالحه، لكن دوره لم يكن كبيرًا أو نافذًا.
كما قيل عنه إنه عمل مترجمًا في طالبان، وقال آخرون إنه لُقّب بالجنرال، لخبرته العسكرية، ووفقًا لما نقلته بعض المصادر الصحافية، فقد اعتقل الجمل عام 2002 من اليمن، واقتيد إلى مصر، وهناك أُخلي سبيله في يناير (كانون الثاني) 2011؛ ليهرب مرة أُخرى من مصر، ويقال إنه الآن من قيادات جبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) في سوريا.
هناك أيضًا سيد موسى، الذي ارتبط اسمه باسم «نبيل نعيم»، الذي يصف نفسه بأنه قيادي سابق في تنظيم القاعدة، ويقول إن «سيد موسى» أحد مؤسسي معسكرات تنظيم القاعدة، وأنه كان ضابطًا سابقًا في سلاح الصاعقة المصرية قبل أن يخرج للمعاش عام 1986.
كذلك «أبو منذر»، أو «محمد إبراهيم مكاوي»، ضابط الصاعقة المصري السابق، والذي تعرّف على قادة القاعدة في أفغانستان، لكنه عاد إلى مصر، لرفضه أفكار تنظيم القاعدة، ومع ذلك اُلقي القبض عليه اعتقادًا بأنه «سيف العدل» القائد العسكري للتنظيم.
أما سيف العدل، الذي اتُهم كثيرون أنهم هو، فهو اسم لشخص غير معروف، يقول البعض إنه لضابط مصري سابق، لكن ليس هناك ما يؤكد ذلك، ويزعم آخرون أن الاسم لـ«أبي بكر الناجي»، مُؤلف كتاب «إدارة التوحش» والذي يُعد مرجعًا فكريًا للتنظيمات الجهادية، بما فيها «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، لكن البعض ينفون ذلك، ويرون أن اسم الناجي نفسه غير حقيقي.
التحولات الحديثة
مع انتشار الجماعات المسلحة في سيناء، برزت عدة أسماء جديدة لضباط مصريين من الجيش والشرطة، من بين هؤلاء «حلمي هاشم»، يُكنى بـ«شاكر نعم الله»، و التحق بالإدارة العامة للأمن المركزي فور تخرجة، واستمر في الخدمة إلى أن وصل لرتبة مقدم، وعقب خروجه اتجه لدراسة العلوم الشرعية، قبل أن يُعتقل عدة مرات. ووفقًا تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، فإن هاشم الآن مرجعية فقهية لـ«تنظيم الدولة»، ومنه أخذ التنظيم فتاوى لتبرير عمليات الذبح والحرق.
يأتي بعد ذلك اسم «وليد بدر»، وهو ضابط سابق في الجيش، تخرج في الكلية الحربية 1991 والتحق بسلاح الشؤون الإدارية، وعندما وصل لرتبه رائد، ترك الجيش وسافر إلى أفغانستان، ومنها لعدة دول من بينها إيران، قبل أن يعود إلى مصر ويتهم بالضلوع في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم في سبتمبر (أيلول) 2013.
أما أكثر الأسماء التي تسببت في صدمة بالنسبة للوسط السياسي، فكان أحمد الدوري مرشح البرلمان المصري سابقًا، وضابط شرطة بدرجة نقيب قبل ذلك، عُرف عنه انفتاحه الفكري، ومساهمته في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المصرية، ومع ذلك التحق بجماعات مسلحة متشددة في العراق، ولقي حتفه في عملية انتحارية في أكتوبر (تشرين الأوّل) 2014.
أما هشام العشماوي فهو الاسم الأكثر شهرة بين كل ضباط الجيش والشرطة المنتمين لتنظيمات مسلحة «متشددة»، ويعد الأهم والأكثر خبرة، وتمتد خبرته لعمله ضابط صاعقة، قبل أن يفصل بسبب تحدثه في أمورٍ دينية وسياسية. وسافر إلى سوريا، قبل أن يعود لمصر مرة أُخرى، منضمًا إلى تنظيم «ولاية سيناء»، ثم انشق عنه مؤسسًا تنظيم «المرابطين».
اتهم بالتورط في عدد من العمليات ضد قوات الأمن، من بينها الهجوم على الكتيبة 101 وعملية كرم القواديس وحادث الفرفرة وتفجير مديريتي أمن القاهرة والمنصورة.
الدولة تتهم
وخلال الأعوام السابقة اتهمت الأجهزة الأمنية عددًا من ضباط الجيش والشرطة بالتورط في أحداث عنف مُسلح، ومحاولات اغتيال، من بينها ما نقلته صحيفة العربي الجديد، عن مصادر في القضاء العسكري، في ديسمبر (كانون الأول) 2015، حول إصدار حكم بإعدام ثلاثة ضباط في الجيش، اتهموا بالتورط في التحضير لانقلابٍ عسكري، والتخطيط لاغتيال الرئيس المصري. وكان القضاء العسكري قد أصدر في وقت سابق، أحكامًا على 26 ضابطًا في الجيش، واثنين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
ووجهت الجهات الأمنية أيضًا اتهامات لستة ضباط من الشرطة، بالتخطيط لاغتيال السيسي، كما اُلقي القبض على الرائد «محمد عويس»، المتهم الرئيس في واقعة اغتيال الرائد «محمود عبد الحميد»، رئيس مباحث مركز طامية بالفيوم، كما أن عويس متهم أيضًا في محاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق «علي جمعة».
كما ألقت قوات الأمن القبض على العقيد «سامح أحمد عصمت العزيزي»، في مديرية أمن القليوبية، بتهمة الانضمام إلى تنظيم ولاية سيناء. وقد اعترف العزيزي في التحقيقات، بإمداد التنظيم بمعلومات عن ضباط الشرطة، والأمكنة الثابتة والمتحركة للقوات الأمنية، كما كشفت جهات أمنية وجود خلية تابعة لولاية سيناء مكونة من أمناء شرطة تعمل في العريش.
لماذا الضباط؟
في حديث لـ«ساسة بوست»، قال ضابط جيش سابق، رفض ذكر اسمه «إن ظهور الضباط السابقين في الكيانات الإرهابية واهتمام الإعلام بهم، يعود لعدة أسباب من بينها الكاريزما التي تسعى لها التنظيمات في إثبات اختراقها للجهات الأمنية، وللأهمية الكبيرة لأي ضابط سابق لما يحمله من العقيدة القتالية التي يتعلمها أثناء الخدمة العسكرية».
وأضاف ضابط الجيش «بالإضافة لقدرة الضابط على قيادة مجموعات لما تعلمه من ضبط وربط في الحياة العسكرية»، مُشيرًا إلى أنه «لدى الضباط قدرات بدنية وعسكرية ومعرفة مسبقة بمناطق صحراوية وهم مدربون على مختلف البيئات ويستطيعون قراءة الخرائط وغيرها من الأمور التي قد تأخذ سنوات من مدنيين عاديين، وهو الأمر الذي دفع قيادات الجيش لعدم توفير تدريبات مكثفة للمجندين إجباريًا لسنوات بعد أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وساهم النشاط الاقتصادي للجيش في فترة من الفترات في تشغيل هؤلاء المجندين إجباريًا في مصانع وشركات، بدلًا من تدريبهم عسكريًا، ويكونون نواة خصبة للكيانات الإرهابية».
وأوضح ضابط الجيش السابق، أنه في الجيش المصري، ثمة مجموعات من الضباط يكونون تحت مراقبة جهاز التحريات العسكرية، وتتابع تحركاتهم وأفعالهم، واصفًا ذلك بـ«الأمر الطبيعي».
ويرى العسكري السابق، طلعت مسلم، وفقًا لما ورد على لسانه في تصريحات صحافية، أنه بالفعل ثمّة اختراق من قبل ما سماها الجماعات الإرهابية، للجيش المصري، لكن ذلك لا يعني أنه اختراق عميق، إذ يعتقد «خليل العناني»، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، أن ما يحدث هي حالات فردية، ولا يمكن اعتبارها حالات واسعة النظام، أو اتجاه عام نحو التطرف.