بعد أسبوع كامل تواترت فيه أخبار دون تأكيد عن قرب إغلاق جريدة التحرير “الخاصة”، أعلن رئيس مجلس إدارة الجريدة أكمل قرطام أن هذا الشهر سيكون الأخير لها، وأن العاملين المعينيين في الجريدة سيتم إلحاقهم بالعمل في موقعها الإلكتروني، هم وعدد من ذوي الخبرة والكفاءة من غير المعينيين، فيما سيتم الاستغناء عن باقي غير المعينين. وفي تصريحات لجريدة المال أمس السبت، قال قرطام- رجل الأعمال ورئيس حزب المحافظين- إن الخسائر المالية التي وصلت إلى 55 مليون جنيه (تكاليف الطباعة ورواتب الصحفيين) هي سبب إغلاق الجريدة، التي بدأت في لفت الأنظار خلال الأسابيع الماضية بارتفاع جودة ما تقدمه من محتوى صحفي، وارتفاع سقف نقدها للنظام الحاكم بعض الشيء، بعد تغييرات “غير معلنة رسميًا” في إدارتها التحريرية. لكن كثيرين لم يقتنعوا بما ساقه قرطام من أسباب، خاصة مع وجود أحاديث عن نقل بعض العاملين في “التحرير” إلى المطبوعة الأحدث التابعة لقرطام، وهي جريدة “الأهم”.
وفي نفس يوم تأكيد قرطام خبر إغلاق “التحرير”، تم وقف طباعة العدد الأسبوعي من جريدة “المصريون”، وطُلب من القائمين عليها استبدال موضوعين في العدد: مقال رئيس التحرير جمال سلطان “لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الاسلامي؟”، وتقرير آخر عن غموض موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي من زيارته المرتقبة لبريطانيا، بعد مخاوف من اعتقاله هناك على خلفية قضايا مرفوعة ضده بسبب فض اعتصام رابعة، حسب التقرير. ورضخت إدارة الجريدة بالفعل للمطلوب، وتم استبدال الموضوعين.
في اليوم ذاته، وداخل مطابع الأهرام أيضًا، تم وقف طبع عدد الأسبوع من جريدة “الصباح”- التي يرأس مجلس إدارتها أسامة عز الدين، ويرأس تحريرها وائل لطفي- وطُلب من إدارة الجريدة استبدال أحد مقالات الرأي المنشورة في صفحة داخلية، وهو مقال الدكتور أحمد رفعت وعنوانه “كيف تصبح طفلا للرئيس في تسع خطوات”، والذي ينتقد رفعت فيه محمد بدران- رئيس حزب “مستقبل وطن”- أحد المقربين من الرئيس السيسي. ويرد رفعت في مقاله على حوار أجراه بدران مع “الصباح”، ويرصد رحلة الصعود السريعة لشاب كان يرأس اتحاد طلاب مصر وأصبح أصغر رئيس حزب في مصر، فضلًا عن كونه واحدا من قلائل اصطفاهم السيسي للوقوف بجواره على ظهر يخت المحروسة أثناء افتتاحه تفريعة “قناة السويس الجديدة”. ورغم أن المقال المنشور لم يهاجم الرئيس أو أجهزة الأمن أو “الجهات السيادية”، واكتفى بمهاجمة رئيس الحزب الأصغر سنا في مصر، إلا أن مطابع الأهرام لم تستكمل طباعة عدد “الصباح” إلا بعد استبدال المقال.
واقعتا “المصريون” و”الصباح” لم تكونا المرة الأولى التي تأمر فيها “جهات سيادية” بوقف طبع أحد أعداد الجرائد بسبب مقال ما لم يعجب مندوبي هذه الجهات في مطابع الأهرام. فقد شهد يوم الجمعة قبل الماضي مصادرة عدد جريدة “صوت الأمة” التي أسسها الناشر الراحل عصام إسماعيل فهمي، ويرأس مجلس إدارتها حاليًا ابنه أحمد، في حين يرأس تحريرها عبد الحليم قنديل- المؤيد للنظام الحاكم. في هذه المرة لم تتم مصادرة الجريدة بسبب مقال ناري مناهض للنظام، بل في الحقيقة بسبب تقرير عن “أحزان الرئيس”.
في حديث معه نشرته جريدة البداية، أبدى قنديل دهشته من أن المقال الممنوع هو “خبر اجتماعي يتحدث عن أحزان الرئيس لمرض والدته وزيارته لها في مستشفى الجلاء قبل يومين بعد تدهور حالتها”.
كل هذه الحالات تأتي مجتمعة في وقت تواجه فيه صناعة الصحافة في مصر مشكلات جمة، بعضها بسبب القوانين والحريات، لكن أهمها حاليًا هي مشكلة الأموال. كانت أحدث حلقات الأزمة هي معركة شركة برومو ميديا للإعلان– التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال نجيب ساويرس، ورئيسها التنفيذي رجل الأعمال إيهاب طلعت- مع عدد من الصحف المصرية، إذ توقفت الشركة، التي تعتبر الوكيل الإعلاني الحصري للكثير من الصحف الخاصة (المصري اليوم، والوطن، واليوم السابع والشروق) عن دفع المستحقات المالية الخاصة بهذه المؤسسات، مما تسبب بأزمة مالية طاحنة أدت لتأخر دفع الرواتب للعاملين بهذه المؤسسات وغيرها.
وبين احتكار الدولة لطبع وتوزيع كل الجرائد الخاصة والحزبية من خلال مؤسستها الأقدم “الأهرام”- باستثناء تجربة وليدة للمصري اليوم- واحتكار رجال الأعمال لسوق الإعلان الذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي لصناعة الصحافة، تعيش الصحافة المصرية أكبر أزماتها وأعتاها، في ظل تضييقات أخرى خاصة بانخفاض سقف الحريات إلى درجة غير مسبوقة على الأقل منذ السبعينيات.
“التحرير”.. بين أزمة التمويل وأزمات السياسة:
تعتبر أزمة “التحرير” مثالًا واضحًا على مأساة انتهاء مشروع صحفي واعد وتفرق دمه بين البيزنس والسياسة.
معظم العاملين في “التحرير” لهم علاقة أقدم مع المآسي، حين عملوا في جريدة الدستور التي أسسها الناشر عصام إسماعيل فهمي والصحفي- الشاب وقتها- إبراهيم عيسي لأول مرة في التسعينات وترأس عيسى تحريرها، وأغلقتها الدولة لتعود للصدور مرة أخرى في 2004، وتصبح أحد أكثر الأصوات المعارضة لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك صخبًا، وأحد أكثر الصحف المصرية توزيعًا وتأثيرًا. ولكن التجربة القوية انتهت بعدما باع إسماعيل فهمي الجريدة لرجل الأعمال السيد البدوي- رئيس حزب الوفد حاليًا- والذي قام ومعه رجل أعمال آخر اسمه رضا إدوارد بإقالة إبراهيم عيسى- الذي كان يمتلك أسهمًا في الجريدة- من رئاسة التحرير في 2010، لتتحول “الدستور” مع إدوارد إلى جريدة مؤيدة للنظام بشكل صريح، بعدما تركها معظم من عملوا فيها مع عيسى، وقامت الإدارة بعد ذلك بتسريح عدد ممن لم يتركوا الجريدة من تلقاء أنفسهم.
وبعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير في 2011، وجد “أبناء الدستور الأصليين” حلمهم الصحفي يعود للحياة مجددًا، بعد أن بدأ عيسى تجربة جديدة رئيسًا لتحرير جريدة التحرير التي أنشأها رجل الأعمال والناشر إبراهيم المعلم، وقيل بعد ذلك أن رجل الأعمال أحمد هيكل تشارك مع المعلم، قبل أن تُباع “التحرير” إلى أكمل قرطام. بعدها بفترة رحل عيسى عن الجريدة وسط خلافات مع قرطام، لتصدر الجريدة تحمل اسم إبراهيم منصور كـ “رئيس تحرير تنفيذي”، قبل أن يتم في الأشهر الأخيرة وضع اسم الصحفي علي السيد كـ “رئيس التحرير العام”. ورغم أن معظم العاملين في الصحافة كانوا يعلمون أن الصحفي أنور الهواري الذي انضم للجريدة رئيسا فعليا لتحريرها هو أحد أسباب التحول الذي ظهر على “التحرير” صحفيًا، إلا أن اسمه لم يتم وضعه على الجريدة بشكل رسمي.
يقول الصحفي محمد الجارحي إن الجريدة شهدت مؤخرا تحسنا ملحوظا في المحتوى المقدم وفي السياسة التحريرية المسيطرة عليها، ويشرح: “جريدة التحرير في الفترة الاخيرة بدأت تفتح أبواب مقفولة، وتنشر موضوعات وملفات وتحقيقات مش موجودة في صحف تانية”، مشيرًا لاحتمالات واضحة لتكميم الأفواه داخل الجريدة.
يقول أحد العاملين بالجريدة لـ«مدى مصر» إن تفاعلات أخرى لها علاقة بطريقة إدارة الجريدة قد تكون السبب الرئيسي وراء قرار قرطام بالإغلاق. يضيف المصدر أن الجريدة تمر بأسوأ مواقفها المالية على الإطلاق، حيث يوجد تفاوت واضح في مرتبات العاملين بالجريدة، إذ يحصل بعض المحررين على رواتب تتخطى العشرين ألف جنيه شهريًا، ولا تنعكس هذه المصروفات الطائلة على دخل الجريدة. في المقابل، حقق الموقع الإلكتروني نقلة نوعية كبيرة في العام الماضي جاذبًا عقد رعاية إعلانية بملايين الجنيهات، مما حدا بإدارة الجريدة لدمج الموقع والجريدة بعد أن كان كل منهما يعمل بشكل مستقل.
يضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الأزمة المالية التي عصفت بالجريدة لم تتوقف، حتى بعد التحسن الكبير في السياسة التحريرية وفي المحتوى المقدم في الأشهر الأخيرة، ما أجبر قرطام على اتخاذ قراره الأخير. يقول المصدر أيضا إن المحتوى التحريري للجريدة ومهاجمتها الشديدة للنظام في الفترة الأخيرة قد يكون عاملًا مساعدًا شكل ضغطًا على مالكيها للوصول لقرار الإغلاق.
من جهته يقول محمد فوزي- رئيس تحرير الموقع الإلكتروني لـ”التحرير” المُعين حديثًا- لـ«مدى مصر» إن الأزمة سببها مالي بالأساس وقد تأتي السياسة في مراحل متأخرة للغاية. وعلى الرغم من أن قرار الغلق ليس نهائيا حتى هذه اللحظة، طبقا لفوزي، إلا أن الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها الجريدة قد تكون بالفعل أكبر من أن يتحملها المالكون.
وبحسب فوزي، تتمثل الأزمة المالية في مشكلة الإعلانات التي تواجهها معظم الجرائد المصرية، بالإضافة إلى تكاليف الطباعة اليومية التي تُدفع لمؤسسة الأهرام، فضلا عن إنفاق الكثير من الأموال على الرواتب العليا والانتقال للمقر الفخم للجريدة.
وإن كانت الصعوبات المالية تؤدي إلى أزمات في الصحف ذات رؤوس الأموال الكبيرة، فبالتأكيد وجود مثل هذه الصعوبات في تجارب صحفية أقل تمويلًا سيكون تأثيرها أعنف وأوضح.
يحكي صبري فوزي- العضو المنتدب السابق في مجلس إدارة صحيفة البديل في إصدارها الأول قبل ثورة ٢٥ يناير- عن تجربة الصحيفة التي استمرت نحو أربعة أعوام، وخاضت معارك عدة.
يشير صبري فوزي إلى اثنين من كبار رجال الأعمال في مجال الاستثمار العقاري عرضوا منح الصحيفة عقود إعلانات في مقابل وقف سلسلة تحقيقات صحفية عن وقائع فساد متعلقة بالأراضي التي اشتروها من الدولة، وهو ما رفضته إدارة الصحيفة وقتها، بحسب فوزي، الذي أكد أن “الغرض من هذه التحقيقات لم يكن ابتزاز هؤلاء وإنما كشف الحقائق، وكان لهم الحق بطبيعة الحال أن يطالبوا بالرد”.
كما يذكر فوزي أيضًا أن رجل أعمال آخر (يفضل ألا يذكر اسمه) كان قد وقّع بالفعل أمرًا بنشر إعلانات لدى “البديل”، غير أنه قام بإلغاء الاتفاق بعدما نشرت الصحيفة تحقيقا عن دور أسرته في التلاعب بالبورصة.
كانت السياسات السابقة أحد أهم الأسباب التي أدت في النهاية إلى انتهاء تجربة “البديل” وتصفية الصحيفة بسبب العجز في ميزانية المؤسسة، وعدم قدرتها حتى على الوصول إلى نقطة التعادل بين المصروفات والعائدات.
يستخلص صبري فوزي من الوقائع السابقة أن المعلنين في مصر لديهم القدرة على فرض سيطرة تامة على سوق الإعلان، وبالتبعية التحكم في السياسات التحريرية وخنق الصحف غير المرغوب فيها.
في حين يرى محمد فوزي أن أزمة الصحافة المصرية تتلخص بشكل كبير في سوء التخطيط، شارحًا: “لا يفكر القائمون على صناعة الصحافة في مصر في المستقبل، فلا يعرف أي من ملاك الجرائد أين سيصيرون بعد عشرة أعوام من الآن. لا يوجد أي تخطيط استراتيجي أو أي وسيلة لإيجاد طرق تمويل بديلة للصحافة. معظم ملاك الجرائد يبحثون في الأغلب عن النفوذ السياسي، إما لحماية استثماراتهم، أو الترويج لأحزابهم السياسية. هذا في حد ذاته ليس المشكلة، من الطبيعي أن يكون النفوذ السياسي محركا للاستثمار في الإعلام، لكنه لا يجب أن يكون المحرك الوحيد”.
ويختتم محمد فوزي قائلًا: “لا يمكن أن نقول إننا نمتلك صناعة صحافة حقيقية قادرة على النظر للصحافة كوسيلة استثمار وليست وسيلة نفوذ فقط”.
الطباعة والتوزيع: رقيب الدولة الذي لا يغيب
في اتصال تليفوني مع «مدى مصر» يقول جمال سلطان رئيس تحرير جريدة “المصريون” إن أزمة سيطرة الدولة على طباعة ونشر الصحف تتلخص في وجود أجهزة رقابية مجهولة “تدير الدولة وشئونها من وراء ستار”، مضيفًا أنه لا توجد تعليمات واضحة حول ما يجب أو ما لا يجب نشره، ولا توجد جهات معلنة تتحكم في هذه العملية يمكن مقاضاتها أو فضحها.
وطبقا لسلطان، فإن الأزمة الكبرى تتمثل في عدم مقدرة المؤسسات الصحفية على طباعة وتوزيع أعدادها بشكل مستقل، فمعظم الجرائد تلجأ لمؤسسة الأهرام من أجل لطباعة والتوزيع، حيث تمتلك المؤسسات الصحفية القومية فقط مؤسسات النشر والتوزيع الخاصة بها.
يضيف سلطان: “جريدة المصري اليوم هي المؤسسة الوحيدة التي تطبع وتوزع أعدادها من خلال دار طبع ونشر خاصة بها، لكن هذه الامكانات محدودة ولا يمكنها سوى طبع وتوزيع نسخ محدودة يوميا”.
ويقول سلطان إنه حتى لو تم حل مشكلة الطبع، فإن توزيع الأعداد بمختلف محافظات الجمهورية هي مهمة شاقة جدا تجعل من استقلال المؤسسات الصحفية في هذا المجال غاية في الصعوبة.
ويضيف: “الدولة لا تريد تحمل العبء السياسي الناتج عن غلق جرائد بأوامر فوقية، فيكون المراقب الذي يحدد لنا سقف الانتقاد ويضع لنا القيود هو الحل الأمثل”.
وبالعودة لتجربة “البديل”، لمعرفة المزيد من التفاصيل حول تعامل المنظومة مع الصحف غير المرضي عنها، يقول صبري فوزي إنه “كان هناك جو معادٍ تجاه “البديل”. ويضيف: “كانت أعداد البديل تبدأ الخروج من المطبعة بعد منتصف الليل، لتصبح متاحة في الأسواق بعدما تكون قد تشبّعت بالفعل بالصحف الأخرى التي بدأ توزيعها قبل ذلك بساعات، رغم أننا كنا نُرسل بروفة العدد في الساعة السادسة مساءً”.
وتصدر الصحف في مصر مساء اليوم السابق على تاريخ العدد، حيث تتم طباعتها في القاهرة وتُنقل إلى المحافظات المختلفة التي تصلها أعداد الصُحف صباح اليوم التالي للطباعة.
ويُرجع المعنيون بصناعة الإعلام السبب في استمرار هذه المنظومة إلى مركزية عملية التوزيع، التي تبدأ دائما من القاهرة.
يتداخل ما قاله فوزي مع ما يطرحه هشام قاسم- العضو المنتدب الأسبق في “المصري اليوم”- والذي يرى أن صناعة الإعلام في مصر بشكل عام تقع تحت رحمة الدولة.
يقول قاسم إن المؤسسات الصحفية الخاصة تعتمد على جهات خارجها طوال الوقت للطباعة والتوزيع والإعلان، وهو ما يضعها دائما تحت سيطرة الجهات المسؤولة عن ذلك.
ويطرح ما يراه احتكارا من مؤسسة الأهرام لسوق الطباعة والتوزيع، فمطابع “الأخبار” تطبع بقطع مختلف عما تستخدمه معظم الصحف، كما أن مطابعها في الجلاء بحالة سيئة ولا تنتج الجودة المطلوبة. بالإضافة إلى عدم وجود موزع يملك أسطول سيارات مثل الأهرام حتى الآن.
يُضيف قاسم أن “المصري اليوم” يمتلك مطبعة الآن، لكنها صغيرة وغير قادرة على تغطية احتياجاته، وهو ما يجعل إدارة المصري اليوم تقوم بطباعة أعدادها بين مطابع الأهرام ومطبعتها الخاصة، ورغم ذلك تعرضّ “المصري اليوم” لوقف طباعة أعداده مرتين، الأولى سنة ٢٠١٠ والثانية العام الماضي، واضطرت الإدارة لإعدام عشرات الآلاف من النسخ.
يذكر قاسم هذه الواقعة ليخلص إلى أن امتلاك مطبعة خاصة لا يكفي وحده كي تستقل صناعة الإعلام، فهو يرى أن مجالس إدارات الصحف “ستظل غير مستقلة حتى لو امتلكت مطابعها، فنحن ما زلنا نعيش في دولة يوليو التي تحدد الجهات الأمنية كل شيء فيها، وفي كل مطبعة هناك مسؤول من المخابرات يراجع ما يُنشر”.
وتبقى سيطرة مؤسسة الأهرام على التوزيع حائلًا أمام جدوى طباعة الصحف أعدادها بنفسها ما لم تتمكن من توزيعها.
يقول فوزي: “دائما ما كانت البديل تعاني من التعنت والتهميش في التوزيع، فيتم توزيعها متأخرا بعد كل الصحف، وتُوضع في أماكن غير واضحة في فرشات الجرائد والمجلات، حتى أن معظم الموزعين وبائعي الصحف في وسط البلد كانوا يضعونها إما تحت الصحف الأخرى كي لا تظهر، أو داخل محلاتهم. وعندما كنا نسألهم عن السبب كانوا يجيبون أنها تعليمات أمنية بعدم إظهار البديل”. ويضيف: “كانت نتيجة ذلك أن الصحيفة لم تكن معروفة لأحد، وأن توزيعها كان محدودا ولا يشتريها إلا من يعرف بها بالفعل ويسأل عنها”.