الثلاثاء , 6 يونيو 2023
الرئيسية / Normal / هل يعيد طريق "قسطل" التصالح والتناغم إلى العلاقات المصريّة-السودانيّة؟

هل يعيد طريق "قسطل" التصالح والتناغم إلى العلاقات المصريّة-السودانيّة؟

أثار افتتاح الطريق البريّ بين مصر والسودان في 27 آب/أغسطس الماضي، تساؤلات عدّة حول مدى التصالح والتناغم في العلاقات السياسيّة بين البلدين، التي طالما شهدت توتّراً سياسيّاً منذ عهد الرئيس الأسبق، محمّد حسني مبارك، ونظام الرئيس عمر البشير الإسلاميّ.

وتحاول القاهرة التعامل بسياسة كسب الودّ مع الإدارة السياسيّة والشعب السودانيّ في الفترة الأخيرة، منذ تولّي الرئيس عبد الفتّاح السيسي الحكم، على الرغم من القلق من انجذاب نظام البشير الإسلاميّ في السودان إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهروب عدد من أعضاء هذه الجماعة إلى الأراضي السودانيّة بعد عزل مرسي، إلاّ أنّ أموراً تتعلّق بالأمن القوميّ دفعت الإدارة السياسيّة المصريّة إلى تخطّي هذه القضيّة، ومحاولة التقارب من جديد مع السودان.

وبدأت تحرّكات الإدارة السياسيّة المصريّة للتقارب مع السودان منذ زيارة الرئيس عبد الفتّاح السيسي المفاجئة إلى الخرطوم في 27 حزيران/يونيو الماضية، والتعجيل في افتتاح الطريق البريّ عند منفذ ” قسطل – أشكيت” على الرغم من تأجيله لأكثر من ثلاث سنوات.

وتعليقاً على الاتّصالات السياسيّة بين القاهرة والخرطوم في الوقت الحاليّ، يقول السفير السودانيّ في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم، في حديث إلى “المونيتور” عبر الهاتف: ” العلاقات الآن في أحسن حالتها وتشهد انطلاقة وحراكاً كبيرين”، واصفاً افتتاح الطريق البريّ بـ” الخطوة التاريخيّة”، لزيادة مساحات التواصل الاجتماعيّ والثقافيّ على المستوى الأوّل.

وأضاف عبد الحليم: “سيتمّ انعقاد اللجنة العليا المصريّة–السودانيّة في القاهرة قريباً برئاسة رئيس الوزراء المصريّ والنائب الأوّل للرئيس السودانيّ، كخطوة تأكيديّة على حرص الجانبين على التنسيق والتعاون والتكامل في المجالات المشتركة والإقليميّة كافّة”.

يقول الخبير في الشأن الإفريقيّ، وأستاذ العلوم السياسيّة حمدي عبد الرحمن في حديث إلى “المونيتور”، عبر “سكايب”: “لا يمكن أن تقف العلاقات بين مصر والسودان عند حدود الخلاف السياسيّ المتعلّق بأشخاص الحكّام، بل إنّ التوتّر والخلاف المتتابع هما مرحليّان، ولا يعبّران عن التوجّهات الاستراتيجيّة للبلدين، كما أنّ الجغرافيا تتجاوز دائماً ذلك الخلاف”.

ويعتبر المراقبون للشأن المصريّ–السودانيّ أنّ افتتاح الطريق البرّي هو البادرة التي تعبّر عن جدّية الإدارة السياسيّة في البلدين لفتح مجالات للتعاون، على رأسها تسهيل مرور الأفراد والبضائع.

ويضيف عبد الرحمن: “هذا الممرّ البرّي سيكون الطريق السريع للتنمية والتواصل بين الشعبين المصريّ والسودانيّ، ويكفي أنّه سيتجاوز أزمة النقل وارتفاع سعر التجارة البينيّة. وبذلك، سيكون بوابّة لمصر لتجاوز أزمة تفعيل العلاقات الاقتصاديّة مع محيطها الإقليميّ في شرق إفريقيا ووسطها”.

وفور افتتاح الطريق البرّي، بدأت اجتماعات بين الغرف التجاريّة والمستثمرين في مصر والسودان، لبحث زيادة حجم الصفقات التجاريّة لتبادل السلع، خصوصاً اللحوم التي تأتي في مقدّمة السلع التي تحتاجها مصر من السودان لتحقيق الأمن الغذائيّ.

وعلى الرغم من مجمل التصريحات الإيجابيّة المتبادلة بين المسؤولين في مصر والسودان، حول افتتاح الطريق البريّ ومحاولات التقارب والتكامل، لا تزال هناك تخوّفات أمنيّة تحكم تعامل القاهرة مع المعبر البرّي الجديد مع السودان، في الوقت الذي لا تزال فيه القاهرة تتحفّظ على تنفيذ اتّفاقية الحريّات الأربع الموقّعة مع السودان، والتي تقضي بحريّة الحركة والتنقّل للأفراد بين البلدين.

وقال مسؤول أمنيّ مصريّ في حديث إلى “المونيتور”: ” تتشابه إجراءات العبور عبر المنفذ البرّي إلى حدّ كبير مع حركة تنقّل الأفراد عبر المطارات، ولا يسمح بدخول السودانيّين إلاّ من خلال تأشيرات عبور”.

وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم ذكر إسمه: “قبل افتتاح المنفذ البرّي، كانت هناك إجراءات واتّفاقيّات أمنيّة عدّة بين البلدين، لتأمين الطريق ومنع تسلّل أيّ عناصر قد تضرّ بالأمن القوميّ للبلدين، ويتمّ التنسيق في هذا الشأن من خلال قوّات حرس الحدود”.

وأضاف: “لا تزال مسألة تأمين الحدود المصريّة-السودانيّة تمثّل هاجساً لدى القاهرة، خصوصاً في فترة يعاني منها الداخل المصريّ من توتّر وعدم استقرار أمنيّ، وهو ما يجعلها تتعامل بحذر شديد في المنافذ البريّة على حدودها”.

ويعلّق عبد الرحمن، على حديث المصدر الأمنيّ قائلاً: “لا شكّ أنّ هناك تهديداً واضحاً للأمن المصريّ عبر الحدود خصوصاً مع السودان، والتي يسهل اختراقها لعدم وجود القوّات التأمينيّة والمراقبة الكافية، لذلك سيستمرّ الهاجس الأمنيّ لدى مصر، وهذا ما يفسّر تردّد القاهرة في تنفيذ اتّفاقية الحريّات الأربع”.

ويضيف رئيس وحدة دراسات مصر والسودان في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجيّة هاني رسلان، في حديث إلى “المونيتور”: “للتحفّظات الأمنيّة المصريّة بعد آخر يتعلّق بهروب المنتمين إلى الجماعات الإسلاميّة وتسلّلهم، خصوصاً في ظلّ سياسات البشير لإيواء قيادات وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الفارّين من مصر”.

لكنّ رسلان أكدّ قائلاً: “لا بدّ أن يكون هناك توافق أمنيّ بين البلدين قد تمّ قبل افتتاح الطريق وتنظيم حركة العبور من خلال المنفذ البرّي”.

ومن جانب آخر، لا تزال هناك مفاوضات بين مصر والسودان في فتح الطريق البرّي غرب النيل عند منفذ أرقين والواقع في منطقة حلايب وشلاتين، التي لا تزال تشهد نزاعاً بين حكومتي القاهرة والخرطوم حول تبعيّتها لأيّ من الدولتين، بعدما تجدّد مرّة أخرى، مع إعلان مفوضّية الانتخابات السودانيّة، اعتبار منطقة حلايب ضمن الدوائر الانتخابيّة السودانيّة.

لكنّ رئيس الهيئة العامّة للموانئ البريّة والجافّة في وزارة النقل المصريّة اللواء جمال حجازي، أكّد في حديث إلى “المونيتور” أنّه “تمّ الانتهاء من تنفيذ طريق أرقين منذ ثلاثة أشهر، كما انتهى الجانب السودانيّ من تنفيذ الطريق من أرقين إلى دنقلة لمسافة 472 كيلومتراً”.

ويوضح حجازي: “هناك اتّفاقية مع السودان على إنشاء هذا الطريق، وصدّق عليها البرلمانان السودانيّ والمصريّ، وقد يفتتح هذا الطريق أيضاً نهاية العام الجاريّ”.

ومع سياسات الشدّ والجذب بين الإدارة السياسيّة للبلدين، يعتبر الشعبان المصريّ والسودانيّ الرابح الأكبر من فتح الطريق البرّي حتّى الآن، والذي بات فرصة كبيرة للتواصل ودعم العلاقات الشعبيّة والاجتماعيّة بالقدر الأكبر.

آية امان

المونيتور

نشرت هذه المقالة في الأصل هنا.