السبت , 25 مارس 2023
الرئيسية / Normal / خمس موجات وثلاثة أحزمة إرهاب تطوّق مصر وتهددها

خمس موجات وثلاثة أحزمة إرهاب تطوّق مصر وتهددها

 

لن ينهي إنجاز الانتخابات الرئاسية العمليات الإرهابية سريعاً على الأرجح، وستحتاج القيادة السياسية إلى جهد مضن في سبيل كسر أحزمة الإرهاب الثلاثة التي تطوق مصر في الوقت الراهن.

من الضروري أن نعرف، بدايةً، ما وقع من إرهاب على مدار العقود الفائتة، وتحديداً منذ أن انزلقت جماعة «الإخوان» إلى ارتكاب أعمال عنف بعد سنوات من دخولها العمل السياسي، خارجة عن مسارها المعلن ابتداء أو لحظة انطلاقها بأنها جماعة دعوية تنشغل بتربية المنتمين إليها على مبادئ الإسلام وتعاليمه وتواجه الإرساليات التبشيرية التي انتعشت في مصر مع مطلع القرن العشرين.

وفي ركاب «الإخوان» ومعهم وبهم، نظراً إلى أن كل التجمعات والتنظيمات والجماعات والفرق السياسية التي اتخذت من الإسلام أيديولوجية خرجت من عباءة جماعة حسن البنا، شهدت مصر خمس موجات إرهابية يمكن ذكرها على النحو الآتي:

1- موجة الأربعينات: كان من أبرز حوادثها اغتيال القاضي الخازندار بعد أن أصدر حكماً ضد أعضاء في جماعة «الإخوان»، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، والاعتداء على الكاتب الكبير عباس محمود العقاد بعد مقال وصف فيه أعضاء الجماعة بـ «الخوان» واتهمهم باعتناق الماسونية. وبعد حوادث عنف أخرى متفرقة انتهى الأمر باغتيال البنا في شباط (فبراير) 1949، وهناك من ينعم النظر في ما جرى بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) من حرائق، ويفكر في تهديدات «الإخوان» المستمرة بـ «حرق مصر» منذ انتهاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفائتة، ويستنتج أن «الإخوان» ربما يكونون هم من ارتكبوا حادث «حريق القاهرة» في كانون الثاني (يناير) 1952، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من التفكير والتدقيق، وإن كان الاحتمال وارداً.

2- موجة الخمسينات والستينات: قامت بها جماعة «الإخوان» في صراعها مع النظام السياسي الذي نشأ عقب ثورة تموز (يوليو) 1952، فقد تحالف «الإخوان» معه في البداية وشجعوه على التخلص من الأحزاب السياسية، ثم اصطدموا به حين أرادوا أن يحولوا حركة الضباط الأحرار إلى مجرد عنصر دفع لمشروع «الإخوان». وأبرز أحداث هذه الموجة محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في المنشية (الإسكندرية) 1954، وارتكاب أعمال عنف في 1965 انتهت باعتقال خلية يقودها سيد قطب، حيث أعدم هو وبعض من معه. وكان مرشد «الإخوان» الحالي عضواً في هذه الخلية، وهناك اعترافات له بذلك.

3- موجة السبعينات: قامت بها تجمعات متطرفة صغيرة مثل جماعة «الفنية العسكرية» التي خططت للانقلاب على الحكم، و «جماعة المسلمين» المعروفة باسم «التكفير والهجرة»، وجناح من «حزب التحرير الإسلامي»، وظهرت خلال ذلك العقد الجماعة الإسلامية، واستخدمها السادات في التضييق على معارضيه اليساريين فروعوا طلاب الجامعات وأرهبوهم، وانتعش تنظيم الجهاد، وانتهت هذه الموجة باغتيال السادات في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1981، بعد أن انقلب السحر على الساحر.

4- موجة الثمانينات والتسعينات: كانت بالأساس من فعل «الجماعة الإسلامية» وبقايا تنظيم الجهاد، وقد بدأت عام 1988 وتخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي ووزاء وكتّاب، وتم اغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب والكاتب فرج فودة، وحصلت محاولة لقتل نجيب محفوظ، كما قتل مئات السياح والآلاف من المواطنين ورجال الشرطة في مواجهة بين الأمن والمتطرفين، وانتهت الموجة بحادث الأقصر 1997 الذي عرضت بعده «الجماعة الإسلامية» مبادرة وقف العنف.

5- الموجة الحالية: بدأت أثناء حكم محمد مرسي بقتل جنود في سيناء، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي وحرق مقر حزب الوفد ومدخل مبنى جريدة «الوطن»، واستمرت بعد إسقاطه بعمليات إرهابية متعاقبة نعيشها حالياً، تختلف عما جرى أنها الأكثر «عولمة» بمعنى مشاركة أفراد وتنظيمات من خارج مصر فيها، لا سيما في سيناء، وأكثر عنفاً، لأنها عرفت أشكالاً لم تكن متّبعة مثل «العربات المفخخة»، وتسعى إلى هدف أكثر تحديداً بعد أن ذاقت جماعة «الإخوان» طعم السلطة، وأصبح أفرادها أكثر تمرداً وشجاعة، متخلّين عن حذرهم التاريخي.

ثلاثة أحزمة

ومع الموجة الحالية تطوق مصر ثلاثة أحزمة من الإرهاب الفعلي أو المحتمل، يمكن ذكرها على النحو الآتي:

1- حزام يطوّق الدولة بكامل ترابها حيث تنشط تنظيمات تكفيرية وإرهابية في ليبيا التي تربطها حدود مع مصر تصل إلى ألف كيلومتر، وتعلن تهديدها صراحة للدولة المصرية، سواء بفعل الاتجاه الغريزي لتلك التنظيمات للدخول في صراعات حدودية مسلحة لإقامة «إمارة إسلامية» أو لوجود مجموعات قريبة من «الإخوان» توظفها في الانتقام من السلطة الحالية في مصر. وقد أُعلن أخيراً عن قيام تنظيم يسمى «دالم» أي «الدولة الإسلامية لليبيا ومصر» على غرار «داعش». ومشكلة هذا الحزام وخطورته أن عمقه يمتد عبر الصحراء الكبرى في ليبيا ليخترق جنوب الجزائر وصولاً إلى مالي والنيجر وتشاد وحتى السنغال، حيث بقايا ما يعرف بـ «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والذي سعى إلى إقامة دويلة في شمال مالي لولا تدخل فرنسا بتفويض من الغرب للقضاء على هذا المسعى. وحال نجاح اللواء خليفة حفتر في بسط نفوذ قواته على كامل التراب الوطني الليبي، فإنه يكسر هذا الطوق ويخفف العبء عن مصر.

افتعال مشكلات خارجية

وفي الجنوب، حيث السودان، يوجد نظام حكم قريب من جماعة «الإخوان»، وقد سمحت الخرطوم بدخول عدد كبير من قيادات «الإخوان» الهاربين من مصر للإقامة أو توطئة لتوجههم إلى قطر وتركيا. وفي ظل ادعاءات السودان بحقه في منطقتي حلايب وشلاتين المصريتين، ومع الخلاف بين البلدين حول مشروع سد النهضة الإثيوبي، يمكن الجبهة الجنوبية أن تتأجج، سواء في شكل صريح وسافر أو بطريقة مستترة ومبطنة، خصوصاً أن السلطة في السودان استمرأت افتعال مشكلات خارجية لإبعاد المواطنين عن التفكير في الأوضاع الداخلية، وحشدهم خلف النظام الحاكم.

وفي الشمال الشرقي هناك قطاع غزة الذي تحكمه حركة «حماس»، وهي فرع من جماعة «الإخوان»، وتتهمها مصر بتغذية الإرهاب في سيناء عبر الأنفاق، خصوصاً أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي يعلن مسؤوليته عن أعمال إرهابية متتابعة في مصر هو فلسطيني النشأة، من بين التنظيمات الجهادية في غزة.

2- هناك حزام يطوق القاهرة نظراً إلى تنامي وجود القوى السلفية والجهادية و «الإخوانية» في المحافظات القريبة من العاصمة، مثل الفيوم وأرياف الجيزة والقليوبية والشرقية.

3- يوجد حزام ثالث يتمثل في الأحياء العشوائية، الناجمة عن الفقر وترييف المدينة وانسحاب الدولة من توفير الإسكان، وهي تطوق الأحياء التي تقطنها الطبقة الوسطى والثرية في مصر، والتي تميل في الغالب الأعم إلى الأفكار الأكثر انفتاحاً وكانت تصوت ضد «الإخوان» وأنصارهم في الاستحقاقات الانتخابية الماضية.

وإذا كان تفكيك هذا الحزام يحتاج إلى خطة متكاملة يستغرق تطبيقها وقتاً تتوزع على التعليم والاقتصاد والثقافة ومؤسسات إنتاج الخطاب الديني، فإنني أعتقد أن الموجة الخامسة من الإرهاب التي تواجهها مصر حالياً ستستمر فترة، ثم تنكسر وتنحسر وتنتهي بندم جديد للإرهابيين، فالجريمة لا تفيد، والإرهاب لا يقيم دولة، لا سيما مع شعب أثبت أنه عصي على الترويع والترهيب، ولم تثنه كل استمالات الخوف التي اتبعها «الإخوان» عن النزول بالملايين في 30 حزيران 2013 لإسقاط حكم جماعة «الإخوان». وأعتقد أن إنجاز الانتخابات الرئاسية بعد إقرار الدستور، يعني قطع محطتين مهمتين من خريطة الطريق، وتبقى الانتخابات البرلمانية، لتكتمل الجدران الشكلية لمواجهة الإرهاب والعنف المنظم، كما يبقى تحقيق العدل الاجتماعي في ظل برنامج تنمية شاملة مع احترام الحريات العامة وعدم قهر السلطة للمواطنين ليملأ هذه الجدران بالمادة التي تأكل الإرهاب بـموجهاته وأحزمته وحلقاته.

عمار علي حسن

الحياة

 .نُشرت هذه المقالة في الأصل هنا