أعربت 13 منظمة حقوقية مصرية عن استنكارها للهجمة المتزايدة النطاق والمستمرة على مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني العاملة في مصر، والمحاولات الأمنية المستميتة الهادفة إلى إسكات جميع الأصوات المستقلة بالبلاد، بعد أن صادرت قوات الأمن المصرية العدد 72 من مطبوعة “وصلة” والتي تُصدرها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والقبض على عامل المطبعة التي تُطبع بها المطبوعة، كما وجهت إليه اتهامات بإحراز مطبوعات تحرض على قلب نظام الحكم، وتروج لجماعة إرهابية! وأمرت نيابة أوسيم أمس الاثنين بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق.
وأكدت المنظمات فى بيان لها أمس أن إقدام السلطات على مثل هذه الخطوة يعد استمرارًا لسياسات تقييد وقمع المنظمات الحقوقية، وانتقامًا من الدور الذي تقوم به في كشف انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة وأن ما حدث للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يأتي بعد أقل من شهر من جريمة اقتحام مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالإسكندرية، وهو ما يوضح أن هناك نية واضحة لتصفية المجتمع المدني وملاحقة المنظمات الحقوقية.
كانت أجهزة الأمن قد اقتحمت يوم السبت الماضي المطبعة التي تطبع “وصلة”، والتي تصدر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بصفة غير دورية، وصادرت نحو 1000 نسخة من الجريدة وقوالب الطباعة، واعتقلت عامل المطبعة دون إبداء أسباب القبض عليه بشكل رسمي، وحين توجه محامي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى قسم شرطة أوسيم التابع له المطبعة، رفض ضباط الشرطة إطلاعه على المحضر أو تفاصيل الواقعة أو أسباب مصادرة المطبوعة، وشنوا هجومًا لفظيًّا بالجملة على منظمات حقوق الإنسان. وقامت نيابة أوسيم أمس الأول بالتحقيق مع عامل المطبعة، ووجهت له اتهامات مذهلة تهدف أساسًا إلى تلويث السمعة والإضرار بصورة المنظمات الحقوقية.
واعتبرت المنظمات أن أحد أهداف هذه الحملات المتوالية هو التغطية على فشل السلطات في وضع حلول سياسية قائمة على احترام سيادة القانون في مواجهة الأزمات العميقة التي تواجه البلاد، وحذرت المنظمات من أن استمرار السلطات الأمنية في إساءة استخدام القانون من أجل تقييد الحريات المدنية والسياسية لن يساعد سوى على تفاقم الأزمة، مؤكدة أن السياسات الأمنية المتعجرفة التي حاول الرئيس السابق د. محمد مرسي اتِّباعها ضد الأصوات المستقلة والمعارضة هي ما قضت – في المقام الأول – على مشروعه السياسي، وهي ذاتها، التي قضت على المشروع السياسي لسابقيه.
ولفتت إلى أن ما قامت به أجهزة الأمن ضد ” وصلة” يتعارض كليًّا مع دستور 2014 المعدل، والذي نص في مادته (71) على عدم جواز مصادرة أي مطبوعة أو فرض رقابة عليها إلا في زمن الحرب أو التعبئة العامة، كما يتعارض مع نص المادة (75) والتي نصت على حرية العمل الأهلي، كما يتعارض بشكل صارخ مع المعايير الدولية للحق في تكوين الجمعيات التي تضمن حق الجمعيات في التعبير عن رأيها في قضايا الشأن العام.
تأتي تلك الواقعة في سياق حملة إعلامية منظمة ومتواصلة، تديرها أجهزة الأمن لتشويه منظمات حقوق الإنسان والنيل من مكانتها الأدبية باتهامات وادعاءات تبث عبر وسائل إعلام بعضها “مملوك للدولة”، وبالتوازي مع إعلان وزارة التضامن الاجتماعي عن مقترحاتها لمشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد والذي يضع قيودًا أشد تعسفًا وقمعًا من تلك المنصوص عليها في القانون (84) لسنة 2002 (الذي أصدره حسني مبارك)، بل وأشد من القيود التعسفية التي وردت في مشروع قانون الرئيس السابق محمد مرسي الذي قدمه في مايو 2013 قبل شهر من الإطاحة به؛ حيث يمنح للجهات الأمنية الحق في التحكم بنشاط الجمعيات الأهلية، ويستبعد مجال حقوق الإنسان من ضمن مجالات عمل الجمعيات الأهلية!
وأبدت المنظمات أسفها من أن يبدأ الرئيس الجديد عهده بمصادرة مطبوعة تصدر عن منظمة حقوقية بالطريق الإداري، بالمخالفة للدستور، مؤكدة أنه مؤشر خطير ليس تجاه منظمات حقوق الإنسان فحسب، بل على حرية التعبير عن الرأي بشكل عام، وحرية إصدار المطبوعات بشكل خاص.
وقع على البيان 13 منظمة حقوقية، هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الائتلاف المصري لحقوق الطفل، الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، مركز قضايا المرأة المصرية، مركز هشام مبارك للقانون، مؤسسة المرأة الجديدة، المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نظرة للدراسات النسوية.
صالح خيرى الشرقاوى
البديل
.نُشرت هذه المقالة في الأصل هنا